الأحد، 11 فبراير 2024

من سورة التوبة

صدقة جارية
تفسير اية رقم ٥٥
من سورة التوبة 
﴿فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰ⁠لُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ﴾ [التوبة ٥٥]

يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١] وَقَالَ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:٥٥، ٥٦]
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: بِزَكَاتِهَا، وَالنَّفَقَةِ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ، تَقْدِيرُهُ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، [فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا](١) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا [فِي الْآخِرَةِ](٢)وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْقَوْلُ القَوي الْحَسَنُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ أَيْ: وَيُرِيدُ أَنْ يُمِيتَهُمْ حِينَ يُمِيتُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَنَكَى لَهُمْ وَأَشَدَّ لِعَذَابِهِمْ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْرَاجِ لَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ.

(١) زيادة من ت، ك، أ.
(٢) زيادة من ت، ك، أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الخميس، 9 نوفمبر 2023

من سورة الأنفال

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٩_١٠
من سورة الأنفال 
﴿إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُرۡدِفِینَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَىِٕنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمٌ (١٠)﴾ [الأنفال ٩-١٠]

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَاد، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّار، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الحَنَفي أَبُو زُميل، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ(١) حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ النَّبِيُّ(٢) ﷺ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ ونَيّف، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا"، قَالَ: فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٣) وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّاهُ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَئِذٍ وَالْتَقَوْا، فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، فقُتِل مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا وَعُمَرَ(٤) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ، فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى أَنْ يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ فَيَكُونُوا لَنَا عَضُدا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمْكنَني مِنْ فُلَانٍ -قَرِيبٍ لِعُمَرَ -فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وتُمكن عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فيضربَ عُنُقَهُ، وتُمكن حَمْزَةَ مِنْ فُلَانٍ -أَخِيهِ -فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنْ لَيْسَ(٥) فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَهَوَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ -قَالَ عُمَرُ-غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، [أَخْبِرْنِي](٦) مَا(٧) يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ، فَإِنْ وجدتُ بُكَاءً بَكَيتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكيتُ لِبُكَائِكُمَا! قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " لِلَّذِي عَرض عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، قَدْ عُرِضَ عليَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ"، وَأَنْزَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٨) ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ﴾إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٦٧، ٦٨] مِنَ الْفِدَاءِ، ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، عُوقِبُوا مِمَّا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ، مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وفَرَّ أصحابُ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَكُسِرَتْ ربَاعيته، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٩) ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٥] بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ..وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدُويه، مِنْ طُرُقٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، بِهِ. وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْيَمَانِيِّ(١٠)وَهَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ والعَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ قَوْلَهُ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [فَاسْتَجَابَ لَكُمْ] ﴾(١١) أَنَّهَا فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ وَكَذَا قَالَ يَزِيدُ(١٢) بْنُ يُثيَع، والسُّدِّي، وَابْنُ جُرَيْجٍ.وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَين، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُنَاشِدُ رَبَّهُ أَشَدَّ النِّشدة يَدْعُو، فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعْضَ(١٣) نِشْدَتِك، فَوَاللَّهِ ليفيَن اللَّهُ لَكَ بِمَا وَعَدَكَ(١٤)وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي"، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا إسرائيل، عن مُخَارق، عن طارق بن شهاب قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبُهُ أحبَّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ(١٥) كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا﴾ [الْمَائِدَةِ: ٢٤] وَلَكِنْ نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ -يَعْنِي قَوْلَهُ(١٦)وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَب، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاء، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهدك وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَد"، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ! فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [الْقَمَرِ: ٤٥] .وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ بُندار عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ المجيد الثقفي(١٧) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ أَيْ: يُرْدفُ بعضُهم بَعْضًا، كَمَا قَالَ هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ(١٨) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ مُتَتَابِعِينَ.وَيَحْتَمِلُ أَنْ [يَكُونَ](١٩) الْمُرَادُ ﴿مُرْدِفِينَ﴾ لَكُمْ، أَيْ: نَجْدَةً لَكُمْ، كَمَا قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مُرْدِفيِنَ﴾ يَقُولُ: المدَدَ، كَمَا تَقُولُ: ائْتِ الرَّجُلَ فَزِدْهُ كَذَا وَكَذَا.وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ الْقَارِئُ، وَابْنُ زَيْدٍ: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ مُمَدِّينَ.وَقَالَ أَبُو كُدَيْنة، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ قَالَ: وَرَاءَ كُلِّ مَلَكٍ مَلَكٌ.وَفِي رِوَايَةٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ. وَكَذَا قَالَ أَبُو ظِبْيَان، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنِ الزَّمْعِي، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْمَنَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَفِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَنَزَلَ مِيكَائِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْسَرَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ.وَهَذَا يَقْتَضِي -لَوْ صَحَّ إِسْنَادُهُ -أَنَّ الْأَلْفَ مُرْدَفَةٌ بِمِثْلِهَا؛ وَلِهَذَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ: "مُرْدَفِين" بِفَتْحِ الدَّالِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.وَالْمَشْهُورُ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنِّبة، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبة.وَرَوَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيل سِمَاك بْنِ وَلِيدٍ الحَنَفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ. ثُمَّ قَالَ أَبُو زُمَيل(٢٠) حَدَّثَنِي(٢١) ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وصوتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: "أَقْدِمْ حَيْزُوم(٢٢) إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِم أَنْفُهُ، وشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: "صدقتَ، ذَلِكَ(٢٣) مِنْ مَدَد السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ"، فقَتَلوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: "بَابُ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفاعة بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقي، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ -قَالَ: جَاءَ جبريل إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: " مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ" -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا -قَالَ: "وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ.انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ(٢٤) وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيج، وَهُوَ خَطَأٌ(٢٥) وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ، وَاللَّهُ [تَعَالَى](٢٦) أَعْلَمُ.وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا شَاوَرَهُ فِي قَتْلِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَة: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ(٢٧) غَفَرْتُ لَكُمْ "(٢٨)قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى [وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ] ﴾(٢٩) الْآيَةَ أَيْ: وَمَا جَعَلَ اللَّهُ بَعْثَ الْمَلَائِكَةِ وَإِعْلَامَهُ إِيَّاكُمْ بِهِمْ إِلَّا بُشرى، ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ ؛ وَإِلَّا فَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْرِكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٤-٦] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٠، ١٤١] فَهَذِهِ حِكَمٌ شَرَع اللَّهُ جِهَادَ الْكُفَّارِ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ لِأَجْلِهَا، وَقَدْ كَانَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعَاقِبُ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ الْمُكَذِّبَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ بِالْقَوَارِعِ الَّتِي تَعُمُّ تِلْكَ الْأُمَّةَ الْمُكَذِّبَةَ، كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ، وَعَادًا الْأُولَى بالدَّبُور، وَثَمُودَ بِالصَّيْحَةِ، وَقَوْمَ لُوطٍ بِالْخَسْفِ وَالْقَلْبِ وَحِجَارَةِ السِّجِّيلِ(٣٠) وَقَوْمَ شُعَيْبٍ بِيَوْمِ الظُّلَّةِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ](٣١) وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ بِالْغَرَقِ فِي الْيَمِّ، ثُمَّ أَنْزَلَ(٣٢) عَلَى مُوسَى التَّوْرَاةَ، شَرَعَ فِيهَا قِتَالَ الْكُفَّارِ، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ [لِلنَّاسِ] ﴾ [الْقَصَصِ: ٤٣](٣٣) وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِينَ الْكَافِرِينَ أَشَدُّ إِهَانَةً لِلْكَافِرِينَ، وَأَشْفَى لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ] ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٤، ١٥] ؛(٣٤) وَلِهَذَا كَانَ قَتلُ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ بِأَيْدِي أَعْدَائِهِمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ بِأَعْيُنِ ازْدِرَائِهِمْ، أَنَكَى لَهُمْ وَأَشْفَى لِصُدُورِ حِزْبِ الْإِيمَانِ. فَقَتْلُ أَبِي جَهْلٍ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى، أَشَدُّ إِهَانَةً لَهُ مِنْ أَنْ يَمُوتُ عَلَى فِرَاشِهِ بِقَارِعَةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ-بالعَدَسة(٣٥) بِحَيْثُ لَمْ يَقْرَبْهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ قَذْفًا مِنْ بَعِيدٍ، وَرَجَمُوهُ حَتَّى دَفَنُوهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ أَيْ: لَهُ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ] ﴾ [غَافِرِ: ٥١، ٥٢](٣٦) ﴿حَكِيم﴾ فِيمَا شَرَعَهُ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَمَارِهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

(١) في ك: "ابن عياش".
(٢) في أ: "رسول الله".
(٣) زيادة من أ.
(٤) في م: "أبا بكر وعمر وعليا".
(٥) في ك: "ليست" وفي أ: "أنه ليست".
(٦) زيادة من أ.
(٧) في أ: "ماذا".
(٨) زيادة من د، ك، م، أ.
(٩) زيادة من أ.
(١٠) المسند (١/٣٠) وصحيح مسلم برقم (١٧٦٣) وسنن أبي داود برقم (٢٦٩٠) وسنن الترمذي برقم (٣٠٨١) وتفسير الطبري (١٣/٤٠٩) .
(١١) زيادة من أ.
(١٢) في د، م: "زيد".
(١٣) في أ: "يا رسول الله، تدعو بعض".
(١٤) رواه الطبري في تفسيره (١٣/٤١١) .
(١٥) في أ: "لا نقول لك".
(١٦) صحيح البخاري برقم (٣٩٥٢) .
(١٧) صحيح البخاري برقم (٣٩٥٣) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٥٧) .
(١٨) في أ: "هبيرة".
(١٩) زيادة من أ.
(٢٠) في م: "أبو زميل سماك بن الوليد الحنفي".
(٢١) في م: "عن".
(٢٢) في م: "حزوم".
(٢٣) في د، ك، م: "ذاك".
(٢٤) صحيح البخاري برقم (٣٩٩٢) .
(٢٥) المعجم الكبير (٤/٢٧٧) .
(٢٦) زيادة من م.
(٢٧) في د: "قد".
(٢٨) صحيح البخاري برقم (٣٩٨٣) وصحيح مسلم برقم (٢٤٩٤) .
(٢٩) زيادة من د، ك، م.
(٣٠) في ك، أ: "السجين".
(٣١) زيادة من أ.
(٣٢) في ك: "أنزل الله".
(٣٣) زيادة من م.
(٣٤) زيادة من أ.
(٣٥) قال ابن الأثير في النهاية (٣/١٩٠) في حديث أبي رافع: "أن أبا لهب رماه الله بالعدسة" وهي بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد، من جنس الطاعون، تقتل صاحبها غالبا".
(٣٦) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

السبت، 4 نوفمبر 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٢٠١_٢٠٢
من سورة الأعراف 
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ (٢٠١) وَإِخۡوَ ٰ⁠نُهُمۡ یَمُدُّونَهُمۡ فِی ٱلۡغَیِّ ثُمَّ لَا یُقۡصِرُونَ (٢٠٢)﴾ [الأعراف ٢٠١-٢٠٢]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَرَكُوا مَا عَنْهُ زَجَرَ، أَنَّهُمْ ﴿إِذَا مَسَّهُمْ﴾ أَيْ: أَصَابَهُمْ "طَيْفٌ" وَقَرَأَ آخَرُونَ: "طَائِفٌ"، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، فَقِيلَ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالْغَضَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَسِّ الشَّيْطَانِ بِالصَّرَعِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْهَمِّ بِالذَّنْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِإِصَابَةِ الذَّنْبِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿تَذَكَّرُوا﴾ أَيْ: عِقَابَ اللَّهِ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ، وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، فَتَابُوا وَأَنَابُوا، وَاسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ. ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ أَيْ: قَدِ اسْتَقَامُوا وَصَحَوْا مِمَّا كَانُوا فِيهِ.وَقَدْ أَوْرَدَ(١) الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ هَاهُنَا حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ(٢) ﷺ وَبِهَا طَيْفٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي. فَقَالَ: "إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكِ، وَإِنْ شِئْتِ فَاصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ". فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ.وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ، وَعِنْدَهُمْ: قَالَتْ(٣) يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُصْرَعُ وَأَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي. فَقَالَ(٤) إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ، وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ؟ " فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، وَلِيَ الْجَنَّةُ، وَلَكِنِ(٥) ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا، فَكَانَتْ لَا تَتَكَشَّفُ.وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ(٦)وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "عَمْرِو بْنِ جَامِعٍ" مِنْ تَارِيخِهِ: أَنَّ شَابًّا كَانَ يَتَعَبَّدُ فِي الْمَسْجِدِ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأَةٌ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، وَمَا(٧) زَالَتْ بِهِ حَتَّى كَادَ يَدْخُلُ مَعَهَا الْمَنْزِلَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَعَادَهَا، فَمَاتَ. فَجَاءَ عُمَرُ فَعزَّى فِيهِ أَبَاهُ(٨) وَكَانَ قَدْ دُفِنَ لَيْلًا فَذَهَبَ فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ نَادَاهُ عُمَرُ فَقَالَ: يَا فَتَى(٩) ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرَّحْمَنِ:٤٦] وَأَجَابَهُ الْفَتَى مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ: يَا عُمَرُ، قَدْ أَعْطَانِيهِمَا رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الْجَنَّةِ مَرَّتَيْنِ(١٠)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِخْوَانِهِمْ﴾ أ: ي وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْإِنْسِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الْإِسْرَاءِ:٢٧] وَهُمْ أَتْبَاعُهُمْ وَالْمُسْتَمِعُونَ(١١) لَهُمُ الْقَابِلُونَ(١٢) لِأَوَامِرِهِمْ ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ أَيْ: تُسَاعِدُهُمُ الشَّيَاطِينُ عَلَى [فِعْلِ](١٣) الْمَعَاصِي، وَتُسَهِّلُهَا عَلَيْهِمْ وتحسنها لهم.وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الْمَدُّ: الزِّيَادَةُ. يَعْنِي: يَزِيدُونَهُمْ فِي الْغَيِّ، يَعْنِي: الْجَهْلَ وَالسَّفَهَ.﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَمُدُّ، وَالْإِنْسَ لَا تُقْصِرُ فِي أَعْمَالِهِمْ بِذَلِكَ. كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابن عباس فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ قَالَ: لَا الْإِنْسُ يُقْصِرُونَ عَمَّا يَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا الشَّيَاطِينُ تُمْسِكُ عَنْهُمْ.قِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ قَالَ: هُمُ الْجِنُّ، يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ يَقُولُ: لَا يَسْأَمُونَ.وَكَذَا قَالَ السُّدِّي وَغَيْرُهُ: يَعْنِي إِنَّ الشَّيَاطِينَ يَمُدُّونَ أَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَلَا تَسْأَمُ مِنْ إِمْدَادِهِمْ فِي الشَّرِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَبِيعَةٌ لَهُمْ وسَجِيَّة، لَا تَفْتُرُ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مَرْيَمَ:٨٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا.

(١) في ك: "روى".
(٢) في أ: "رسول الله".
(٣) في م، أ: "فقالت".
(٤) في أ: "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ".
(٥) في أ: ولكن يا رسول الله".
(٦) المستدرك (٤/٢١٨) .
(٧) في د: "فما".
(٨) في أ: "أهله".
(٩) في د، ك، أ: "يا فلان".
(١٠) تاريخ دمشق لابن عساكر (١٣/ ٤١١، ٤١٢) "القسم المخطوط". ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (١٩/١٩٠، ١٩١) .
(١١) في ك، م، أ: "المستمعين".
(١٢) في أ: "القائلون".
(١٣) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٨٩_١٩٠
من سورة الأعراف 
﴿۞ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِیَسۡكُنَ إِلَیۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِیفࣰا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّاۤ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَىِٕنۡ ءَاتَیۡتَنَا صَـٰلِحࣰا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ (١٨٩) فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ (١٩٠)﴾ [الأعراف ١٨٩-١٩٠]

يُنَبِّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ خَلَقَ مِنْهُ زَوْجَهُ(١) حَوَّاءَ، ثُمَّ انْتَشَرَ النَّاسُ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الْحُجُرَاتِ:١٣] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً](٢) ﴾ الْآيَةَ [النِّسَاءِ:١] .وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ أَيْ: لِيَأْلَفَهَا وَيَسْكُنَ بِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الرُّومِ:٢١] فَلَا أُلْفَةَ بَيْنَ زَوْجين أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ السَّاحِرَ رُبَّمَا تَوَصَّلَ بِكَيْدِهِ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ.﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ أَيْ: وَطِئَهَا ﴿حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا﴾ وَذَلِكَ أَوَّلُ الْحَمْلِ، لَا تَجِدُ الْمَرْأَةُ لَهُ أَلَمًا، إِنَّمَا هِيَ النُّطفة، ثُمَّ العَلَقة، ثُمَّ المُضغة.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: اسْتَمَرَّتْ بِحَمْلِهِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعَي، والسُّدِّي، نَحْوُهُ.وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: عَنْ أَبِيهِ اسْتَخَفَّتْهُ.وَقَالَ أَيُّوبُ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ قَالَ: لَوْ كُنْتَ رَجُلًا عَرَبِيًّا لَعَرَفْتَ مَا هِيَ. إِنَّمَا هِيَ: فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ وَاسْتَبَانَ حَمْلُهَا.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: [مَعْنَاهُ](٣) اسْتَمَرَّتْ بِالْمَاءِ، قَامَتْ بِهِ وَقَعَدَتْ.وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اسْتَمَرَّتْ بِهِ، فَشَكَّتْ: أَحَمَلَتْ(٤) أَمْ لَا.﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾ أَيْ: صَارَتْ ذَاتَ ثِقَلٍ(٥) بِحَمْلِهَا.وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَبِرَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا.﴿دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا﴾ أَيْ: بَشَرًا سَوِيًّا، كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْفَقَا أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً.وَكَذَلِكَ(٦) قَالَ أَبُو البَخْتري وَأَبُو مَالِكٍ: أَشْفَقَا أَلَّا يَكُونَ إِنْسَانًا.وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَئِنْ آتَيْتِنَا غُلَامًا.﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا آثَارًا وَأَحَادِيثَ سَأُورِدُهَا وَأُبَيِّنُ مَا فِيهَا، ثُمَّ نُتْبِعُ ذَلِكَ بَيَانَ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُمْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ(٧) ﷺ قَالَ: "وَلَمَّا وَلَدَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ -وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ -فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ؛ فَإِنَّهُ يَعِيشُ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ وَكَانَ ذلك من وحي الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ".وَهَكَذَا رَوَاهُ(٨) ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، بُنْدَار، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، بِهِ.وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ(٩) هَذِهِ الْآيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، بِهِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ مَرْفُوعًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهِ مَرْفُوعًا.وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدويه فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ شَاذِّ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهِ مَرْفُوعًا(١٠)قُلْتُ: "وَشَاذٌّ" [هَذَا](١١) هُوَ: هِلَالٌ، وَشَاذٌّ لَقَبُهُ. وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:أَحَدُهَا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا هُوَ الْبَصْرِيُّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَلَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُمْرَةَ(١٢) مَرْفُوعًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ قَوْلِ سُمْرَةَ نَفْسِهِ، لَيْسَ مَرْفُوعًا، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ(١٣) عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمْرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: سَمَّى آدَمُ ابْنَهُ "عَبْدَ الْحَارِثِ".الثَّالِثُ: أَنَّ الْحَسَنَ نَفْسَهُ فَسَّرَ الْآيَةَ بِغَيْرِ هَذَا، فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُ عَنْ سُمْرَةَ مَرْفُوعًا، لَمَا عَدَلَ عَنْهُ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَلَمْ يَكُنْ بِآدَمَ(١٤)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: عَنَى بِهَا ذَرِّيَّةَ آدَمَ، وَمَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ -يَعْنِي: [قَوْلَهُ](١٥) ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾(١٦) وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ(١٧) حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، رَزَقَهُمُ اللَّهُ أَوْلَادًا، فَهَوَّدُوا ونَصَّروا(١٨)وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ عَنِ الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ فَسَّرَ الْآيَةَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ وَأَوْلَى مَا حُمِلَتْ(١٩) عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ مَحْفُوظًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَمَا عَدَلَ عَنْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَقْوَاهُ لِلَّهِ وَوَرَعه، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ، مِثْلِ: كَعْبٍ أَوْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّه وَغَيْرِهِمَا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [تَعَالَى](٢٠) إِلَّا أَنَّنَا بَرِئْنَا مِنْ عُهْدَةِ الْمَرْفُوعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.فَأَمَّا(٢١) الْآثَارُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَين، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لِآدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْلَادًا فَيُعَبِّدُهُمْ لِلَّهِ ويُسَمّيه: "عَبْدَ اللَّهِ" وَ"عُبَيْدَ اللَّهِ"، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيُصِيبُهُمُ الموت فأتاهما إِبْلِيسُ وَآدَمَ فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَوْ تُسَمِّيَانِهِ بِغَيْرِ الَّذِي تُسميانه بِهِ لَعَاشَ(٢٢) قَالَ: فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا(٢٣) فَسَمَّاهُ "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ فِي آدَمَ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ شَكَّت(٢٤) أحَبَلتْ أَمْ لَا؟ ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُولَدُ لَكُمَا؟ أَمْ هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يَكُونُ؟ أَبَهِيمَةٌ(٢٥) يَكُونُ أَمْ لَا؟ وزيَّن لَهُمَا الْبَاطِلَ؛ إِنَّهُ غَوِيٌّ مُبِينٌ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَمَاتَا، فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ: إِنَّكُمَا إِنْ لَمْ تُسَمِّيَاهُ بِي، لَمْ يَخْرُجْ سَوِيًّا، وَمَاتَ كَمَا مَاتَ الْأَوَّلَانِ(٢٦) فَسَمَّيَا وَلَدَهُمَا "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ [تَعَالَى](٢٧) ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ الْآيَةَ.وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ آدَمُ ﴿حَمَلَتْ [حَمْلا خَفِيفًا] ﴾(٢٨) فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ -فَقَالَ: إِنَّى صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ لَتطيعُنِّي أَوْ لأجعلنَّ قَرْنَيْ لَهُ(٢٩) أَيْلٍ فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِكِ فَيَشُقُّهُ، ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ -يُخَوِّفُهُمَا -فسمِّياه "عَبْدَ الْحَارِثِ" فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّانِيَةَ، فَأَتَاهُمَا أَيْضًا فَقَالَ: أَنَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ، لتفعلُنَّ أَوْ لأفعلَنَّ -يُخَوِّفُهُمَا -فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّالِثَةَ فَأَتَاهُمَا أَيْضًا، فَذَكَرَ لَهُمَا، فَأَدْرَكَهُمَا حبُّ الْوَلَدِ، فَسَمَّيَاهُ "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ رواه ابن أبي حاتم.وَقَدْ تَلْقَى هَذَا الْأَثَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَمِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ: قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْخَلَفِ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ جَمَاعَاتٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَكَأَنَّهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ(٣٠) حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ -عَنْ عُقْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ، عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ أَتَاهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ(٣١) لَهَا: أَتُطِيعِينِي ويَسْلَم لَكِ وَلَدُكِ؟ سَمِّيهِ "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَلَمْ تفعلْ، فَوَلَدَتْ فَمَاتَ، ثُمَّ حَمَلَتْ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ تَفْعَلْ. ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّالِثَ فَجَاءَهَا فَقَالَ: إِنْ تُطِيعِينِي يَسْلَمْ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ بَهِيمة، فهيَّبهما فَأَطَاعَا.وَهَذِهِ الْآثَارُ يَظْهَرُ عَلَيْهَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّهَا مِنْ آثَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا حَدَّثكم أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ"، ثُمَّ أَخْبَارُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَمِنْهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ. وَمِنْهَا مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ، بِمَا دُلَّ عَلَى خِلَافِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِي رِوَايَتِهِ، بِقَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: "حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرج" وَهُوَ الَّذِي لَا يصدَّق وَلَا يُكَذَّبُ، لِقَوْلِهِ: "فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ". وَهَذَا الْأَثَرُ: [هَلْ](٣٢) هُوَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. فَأَمَّا مَنْ حَدَّثَ بِهِ مِنْ صحَابي أَوْ تَابِعِيٍّ، فَإِنَّهُ يَرَاهُ مِنَ الْقَسَمِ الثَّالِثِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي هَذَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ](٣٣) وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ آدَمُ وَحَوَّاءُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ثم قال:

(١) في د: "زوجته".
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) زيادة من أ.
(٤) في د، ك، م، أ: "أحبلت".
(٥) في م: "أثقل".
(٦) في أ: "وكذا".
(٧) في د: "رسول الله".
(٨) في أ: "وروي".
(٩) في د، ك، م، أ: "تفسير".
(١٠) المسند (٥/١١) وتفسير الطبري (١٣/٣٠٩) ، وسنن الترمذي برقم (٣٠٧٧) ، والمستدرك (٢/٥٤٥) .
(١١) زيادة من أ.
(١٢) في أ: "حمزة".
(١٣) في د، ك، م: "بكر بن عبد الله".
(١٤) تفسير الطبري (١٣/٣١٤) .
(١٥) زيادة من ك، م، أ.
(١٦) تفسير الطبري (١٣/٣١٤) .
(١٧) في أ: "بشير".
(١٨) تفسير الطبري (١٣/٣١٥) .
(١٩) في أ: "ما دلت".
(٢٠) زيادة من م.
(٢١) في د، م: "وأما".
(٢٢) في ك: "فعاش".
(٢٣) في أ: "ولدا".
(٢٤) في م، أ: "فشكت".
(٢٥) في ك: "بهيمة".
(٢٦) في ك، م، أ: "الأول".
(٢٧) زيادة من ك.
(٢٨) زيادة من أ.
(٢٩) في م، ك: "له قرن".
(٣٠) في أ: "أبو الجماهير".
(٣١) في م، ك: "قال".
(٣٢) زيادة من ك، م، أ.
(٣٣) زيادة من ك.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الأربعاء، 11 أكتوبر 2023

من سورة التكاثر

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١_٨ 
من سورة التكاثر 
﴿أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (١) حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ (٢) كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٤) كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡیَقِینِ (٥) لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِیمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَیۡنَ ٱلۡیَقِینِ (٧) ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ یَوۡمَىِٕذٍ عَنِ ٱلنَّعِیمِ (٨)﴾ [التكاثر ١-٨]

تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّكَاثُرِوَهِيَ مَكِّيَّةٌ.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *يَقُولُ تَعَالَى: شَغَلَكُمْ حُبُّ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا وَزَهْرَتُهَا عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ وَابْتِغَائِهَا، وَتَمَادَى بِكُمْ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَكُمُ الْمَوْتُ وَزُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، وَصِرْتُمْ مِنْ أَهْلِهَا؟!قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الوَقار الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ، عَنِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ عَنِ الطَّاعَةِ، ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ حَتَّى يَأْتِيَكُمُ الْمَوْتُ"(١) .وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ.وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، فِي "الرَّقَاقِ" مِنْهُ: وَقَالَ لَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ يَعْنِي: "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وادٍ مِنْ ذَهَبٍ".وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ مُطْرِّف -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الله بن الشخير-عن أبيه قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: " ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي. وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟ ".وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، بِهِ(٢) .وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي مَالِي؟ وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ تَصَدَّقَ فَاقْتَنَى(٣) وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ". تَفَرَّدَ بِهِ مسلم(٤) .وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الحُمَيدي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثلاثةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ".وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ(٥) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ وَالْأَمَلُ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ(٦) .وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فِي تَرْجَمَةِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ(٧) -وَاسْمُهُ الضَّحَّاكُ-أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ دِرْهَمًا فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا الدِّرْهَمُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لِي. فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ لَكَ إِذَا أَنْفَقْتَهُ فِي أَجْرٍ أَوِ ابْتِغَاءِ شُكْرٍ. ثُمَّ أَنْشَدَ الْأَحْنَفُ مُتَمَثِّلًا قَوْلَ الشَّاعِرِ:أنتَ لِلْمَالِ إِذَا أمسكتَه ... فَإِذَا أنفقتَه فالمالُ لَكْ ...وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنِي عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ، فِي بَنِي حَارِثَةَ وَبَنِي الْحَارِثِ، تَفَاخَرُوا وَتَكَاثَرُوا، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: فِيكُمْ مثلُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَفُلَانٍ؟ وَقَالَ الْآخَرُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، تَفَاخَرُوا(٨) بِالْأَحْيَاءِ، ثُمَّ قَالُوا: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْقُبُورِ. فَجَعَلَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَقُولُ: فِيكُمْ مِثْلُ فُلَانٍ؟ يُشِيرُونَ إِلَى الْقَبْرِ -وَمِثْلُ فُلَانٍ؟ وَفَعَلَ الْآخَرُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيمَا رَأَيْتُمْ عِبْرَةٌ وَشُغْلٌ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ كَانُوا يَقُولُونَ نَحْنُ أَكْثَرُ مَنْ بَنِي فُلَانٍ(٩) وَنَحْنُ أعَدُّ مَنْ بَنِي فُلَانٍ، وَهُمْ كُلُّ يَوْمٍ يَتَسَاقَطُونَ إِلَى آخِرِهِمْ، وَاللَّهِ مَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ كُلُّهُمْ.وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ أَيْ: صِرْتُمْ إِلَيْهَا وَدُفِنْتُمْ فِيهَا، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَعْرَابِ يَعُودُهُ، فَقَالَ: "لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". فَقَالَ: قُلْتَ: طَهُور؟! بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزيره الْقُبُورَ! قَالَ: "فَنَعَم إِذًا"(١٠) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ الْحَجَّاجِ، عَنِ المنْهال، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا زِلْنَا نَشُكُّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيب، عَنْ حَكَّام بْنِ سَلْمٍ(١١) [بِهِ](١٢) وَقَالَ: غَرِيبٌ(١٣) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ دَاوُدَ العُرضي(١٤) حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَرَأَ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ فَلَبِثَ هُنَيْهَةً(١٥) فَقَالَ: يَا مَيْمُونُ، مَا أَرَى الْمَقَابِرَ إِلَّا زِيَارَةً، وَمَا لِلزَّائِرِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ.قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ -إِلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ. وَهَكَذَا ذُكر أَنَّ بعضَ الْأَعْرَابِ سَمِعَ رَجُلًا يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ فَقَالَ: بُعثَ الْيَوْمَ(١٦) ورَب الْكَعْبَةِ. أَيْ: إِنَّ الزَّائِرَ سَيَرْحَلُ مِنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَذَا(١٧) وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي: الْكُفَّارَ، ﴿ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ أَيْ: لَوْ عَلِمْتُمْ حَقَّ الْعِلْمِ، لَمَا أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ عَنْ طَلَبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، حَتَّى صِرْتُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ.ثُمَّ قَالَ: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ هَذَا تَفْسِيرُ الْوَعِيدِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ تَوعَّدَهم بِهَذَا الْحَالِ، وَهِيَ رُؤْيَةُ النَّارِ(١٨) الَّتِي إِذَا زَفَرَتْ زَفْرَةً خَرَّ كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَنَبِيٍّ مُرْسَلٍ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، مِنَ الْمَهَابَةِ وَالْعَظَمَةِ وَمُعَايَنَةِ الْأَهْوَالِ، عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ أَيْ: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ، مِنَ الصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ وَالرِّزْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. مَا إِذَا قَابَلْتُمْ بِهِ نِعَمَهُ مِنْ شُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْخَزَّازُ(١٩) الْمُقِرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابن عِيسَى أَبُو خَالِدٍ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ " قَالَ: أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قَالَ أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا. قَالَ: فَقَعَدَ عُمَرُ، وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ بِكُمَا مِنْ قُوَّةٍ، تَنْطَلِقَانِ إِلَى هَذَا النَّخْلِ فَتُصِيبَانِ طَعَامًا وَشَرَابًا وَظِلًّا؟ " قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: "مُروا بِنَا إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ التَّيهان أَبِي الْهَيْثَمِ الْأَنْصَارِيِّ". قَالَ: فتقدم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-وَأُمُّ الْهَيْثَمِ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ تَسْمَعُ الْكَلَامَ، تُرِيدُ أَنْ يَزِيدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ السَّلَامِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ خَرَجَتْ أَمُّ الْهَيْثَمِ تَسْعَى خَلْفَهُمْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ -وَاللَّهِ-سَمِعْتُ تَسْلِيمَكَ، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَزِيدَنَا مِنْ سَلَامِكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خَيْرًا". ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ أَبُو الْهَيْثَمِ؟ لَا أَرَاهُ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ قَرِيبٌ ذَهَبَ يَستعذبُ الْمَاءَ، ادْخُلُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي السَّاعَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَبَسَطَتْ -بِسَاطًا تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ فَفَرِحَ بِهِمْ وَقَرَّتْ عَيْنَاهُ بِهِمْ، فَصَعِدَ عَلَى نَخْلَةٍ فَصَرَمَ لَهُمْ أَعْذَاقًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "حَسْبُكَ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْكُلُونَ مِنْ بُسره، وَمِنْ رُطَبِهِ، وَمِنْ تَذْنُوبه، ثُمَّ أَتَاهُمْ بِمَاءٍ فَشَرِبُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ"(٢٠) هَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الحُسَين بْنُ عَلِيٍّ الصَّدَائِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ جَالِسَانِ، إِذْ جَاءَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمَا هَاهُنَا؟ " قَالَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَخْرَجْنَا مِنْ بُيُوتِنَا إِلَّا الْجُوعُ. قَالَ: "وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْرَجَنِي غَيْرُهُ". فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا بَيْتَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: "أَيْنَ فُلَانٌ؟ " فَقَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ(٢١) لَنَا مَاءً. فَجَاءَ صَاحِبُهُمْ يَحْمِلُ قِرْبَتَهُ فَقَالَ: مَرْحَبًا، مَا زَارَ الْعِبَادَ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ(٢٢) زَارَنِي الْيَوْمَ. فَعَلَّقَ قِرْبَتَهُ بِكَرْبِ نَخْلَةٍ(٢٣) وَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَلَا كُنْتَ اجْتَنَيْتَ"؟ فَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونُوا الَّذِينَ تَخْتَارُونَ عَلَى أَعْيُنِكُمْ. ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ؟ " فَذَبَحَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ، فَأَكَلُوا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، فَلَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَبْتُمْ هَذَا، فَهَذَا مِنَ النَّعِيمِ"(٢٤) .وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، بِهِ(٢٥) وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبيد اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أُبَيِّ بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، بِهِ(٢٦) وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِنَحْوٍ مَنْ هَذَا السِّيَاقِ وَهَذِهِ الْقِصَّةِ(٢٧) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيج، حَدَّثَنَا حَشْرَجٌ، عَنْ أَبِي نُصرة، عَنْ أبي عسيب -يعني مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلًا فَمَرَّ بِي، فَدَعَانِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى(٢٨) حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ: "أَطْعِمْنَا". فَجَاءَ بِعذْق فَوَضَعَهُ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ بَارِدٍ فَشَرِبَ، وَقَالَ: "لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ العذْقَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، حَتَّى تَنَاثَرَ البُسرُ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَمَسْئُولٌ(٢٩) عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: خِرْقَةٌ لَفَّ بِهَا الرَّجُلُ عَوْرَتَهُ، أَوْ كَسْرَةٌ سَدَّ بِهَا جَوْعَتَهُ، أَوْ جُحْرٌ تَدخَّل فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ"(٣٠) تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ رُطَبًا، وَشَرِبُوا مَاءً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ".وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ [عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرٍ](٣١) بِهِ(٣٢) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ مَحْمُودِ(٣٣) بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَنْ أَيِّ(٣٤) نَعِيمٍ نُسأل؟ وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ الْمَاءُ وَالتَّمْرُ، وَسُيُوفُنَا عَلَى رِقَابِنَا، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ، فَعَنْ أَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ؟ قَالَ(٣٥) أَمَا إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ"(٣٦) .وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا معاذ بن عبد الله بن حُبَيب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ فَطَلَعَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ طَيِّبَ النَّفْسِ. قَالَ: "أَجَلْ". قَالَ: ثُمَّ خَاضَ النَّاسُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النَّعِيمِ".وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ(٣٧) .وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَمٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ -يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ-الْعَبْدُ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحّ لك جسمك، ونُرْوكَ من الماء البارد؟ ".تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زَيْر، بِهِ(٣٨) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ يَحْيَى بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ [ثُمَّ](٣٩) لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِأَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قَالَ: "إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ". وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ -هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ-بِهِ(٤٠) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْهُ(٤١) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، عَنِ الحكم ابن أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قَالَتِ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّ نَعِيمٍ نَحْنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا نَأْكُلُ فِي أَنْصَافِ بُطُونِنَا خُبْزَ الشَّعِيرِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: أَلَيْسَ تَحْتَذُونَ النِّعَالَ، وَتَشْرَبُونَ الْمَاءَ الْبَارِدَ؟ فَهَذَا مِنَ النَّعِيمِ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى -أَظُنُّهُ عَنْ عَامِرٍ-عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿ [ثُمَّ](٤٢) لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قَالَ: "الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ"(٤٣) .وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ يَعْنِي: شِبَعَ الْبُطُونِ، وَبَارِدَ الشَّرَابِ، وَظِلَالَ الْمَسَاكِنِ، وَاعْتِدَالَ الْخَلْقِ، وَلَذَّةَ النَّوْمِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ، عَنْهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: حَتَّى عَنْ شَرْبَةِ عَسَلٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ كُلِّ لَذَّةٍ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: نَعِيمُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، وَقَالَ أَبُو قِلابة: مِنَ النَّعِيمِ أَكْلُ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ بِالْخَبْزِ النَّقِيِّ. وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ هَذَا أَشْمَلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قَالَ: النَّعِيمُ: صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، يَسْأَلُ اللَّهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٦] .وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَسُنَنِ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سعيد ابن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"(٤٤) .وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي شُكْرِ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، لَا يَقُومُونَ بِوَاجِبِهِمَا، وَمَنْ لَا يَقُومُ بِحَقِّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَغْبُونٌ.وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الحسن ابن شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَظِلُّ الْحَائِطِ، وخُبْز، يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ يُسْأَلُ عَنْهُ"(٤٥) ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -قَالَ عَفَّانُ في حديثه: قال إسحاق ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ -قَالَ عَفَّانُ: يوم القيامة-: يا بن آدَمَ، حَمَلْتُكَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، وَزَوَّجْتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلْتُكَ تَرْبَع(٤٦) وَتَرْأَسُ، فَأَيْنَ شُكْرُ ذَلِكَ؟ "(٤٧) تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ "التكاثر"(٤٨) [ولله الحمد والمنة](٤٩)

(١) وهذا معضل، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفُ.
(٢) المسند (٤/٢٤) وصحيح مسلم برقم (٢٩٥٨) وسنن الترمذي برقم (٣٣٥٤) وسنن النسائي (٦/٢٣٨) .
(٣) في أ: "فأبقى".
(٤) صحيح مسلم برقم (٢٩٥٩) .
(٥) صحيح البخاري برقم (٦٥١٤) وصحيح مسلم برقم (٢٩٦٠) وسنن الترمذي برقم (٢٣٧٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (٢٠٦٤) .
(٦) المسند (٣/١١٥) وصحيح البخاري برقم (٦٤٢١) وصحيح مسلم برقم (١٠٤٧) .
(٧) تاريخ دمشق (٨/٤٤٣ "المخطوط") .
(٨) في م: "وتفاخروا".
(٩) في أ: "من بني إسرائيل".
(١٠) صحيح البخاري برقم (٥٦٦٢، ٥٦٥٦، ٧٤٧٠) .
(١١) في أ: "سليم".
(١٢) زيادة من م، أ.
(١٣) سنن الترمذي برقم (٣٣٥٥) .
(١٤) في أ: "العرمي".
(١٥) في أ: "هنية".
(١٦) في أ: "القوم".
(١٧) في أ: "هو".
(١٨) في م: "أهل النار".
(١٩) في أ: "الجزاز".
(٢٠) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٩/٢٥٣) من طريق زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن عيسى، به. وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣١٧) : "فيه عبد الله بن عيسى-أبو خلف- وهو ضعيف".
(٢١) في م: "ليستعذب".
(٢٢) في م: "من نبي".
(٢٣) في أ: "بكور نخلته".
(٢٤) تفسير الطبري (٣٠/١٨٥) .
(٢٥) صحيح مسلم برقم (٢٠٣٨) .
(٢٦) مسند أبي يعلى (١/٧٩) وسنن ابن ماجة برقم (٣١٨١) .
(٢٧) سنن أبي داود برقم (٥١٢٨) وسنن الترمذي برقم (٢٨٢٢) ، (٢٣٦٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٩٧) وسنن ابن ماجة برقم (٣٧٤٥) .
(٢٨) في أ: "حتى دخل".
(٢٩) في م، أ: "إنا لمسئولون".
(٣٠) المسند (٥/٨١) .
(٣١) زيادة من أ.
(٣٢) المسند (٣/٣٥١) وسنن النسائي (٦/٢٤٦) .
(٣٣) في أ: "عن محمد".
(٣٤) في م: "أي يوم".
(٣٥) في م: "فقال".
(٣٦) المسند (٥/٤٢٩) .
(٣٧) المسند (٥/٣٧٢) وسنن ابن ماجة برقم (٢١٤١) وقال البوصيري في الزوائد (٢/١٥٨) : "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
(٣٨) سنن الترمذي برقم (٣٣٥٨) وصحيح ابن حبان برقم (٧٣٢٠) "الإحسان".
(٣٩) زيادة من أ.
(٤٠) سنن الترمذي برقم (٣٣٥٦) وسنن ابن ماجة برقم (٤١٥٨) .
(٤١) المسند (١/١٧٤) .
(٤٢) زيادة من أ.
(٤٣) ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد برقم (٨٥٥) من طريق محمد بن سليمان الأصبهاني، به.
(٤٤) صحيح البخاري برقم (٦٤١٢) وسنن الترمذي برقم (٢٣٠٤) وسنن ابن ماجة برقم (٤١٧٠) .
(٤٥) مسند البزار برقم (٣٦٤٣) "كشف الأستار" وليث بن أبي سليم ضعيف.
(٤٦) في أ: "ترتع".
(٤٧) المسند (٢/٤٩٢) .
(٤٨) في م: "ألهاكم".
(٤٩) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الخميس، 28 سبتمبر 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٦٠_١٦٢
من سورة الأعراف 
﴿وَقَطَّعۡنَـٰهُمُ ٱثۡنَتَیۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمࣰاۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَیۡنࣰاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسࣲ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلۡغَمَـٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ (١٦٠) وَإِذۡ قِیلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ وَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ وَٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِیۤـَٔـٰتِكُمۡۚ سَنَزِیدُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ (١٦١) فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ (١٦٢)﴾ [الأعراف ١٦٠-١٦٢]

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ﴾ أَيْ: فَرَّقْنَاهُمْ، يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، ﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا قَالَ: "اثْنَتَيْ عَشْرَةَ"، وَالسِّبْطُ مُذَكَّرٌ لِأَنَّهُ قَالَ: "أُمَمًا" فَرَجَعَ التَّأْنِيثُ إِلَى الْأُمَمِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُمَمًا، وَإِنَّمَا قَالَ: "أَسْبَاطًا أُمَمًا"، بِالْجَمْعِ وَمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ لَا يُفَسَّرُ بِالْجَمْعِ، فَلَا يُقَالُ: أَتَانِي اثْنَا عَشَرَ رِجَالًا لِأَنَّ الْأَسْبَاطَ فِي الْحَقِيقَةِ نَعْتُ الْمُفَسِّرِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ الْفِرْقَةُ، أَيْ: وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً أُمَمًا.وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَقَطَّعْنَاهُمْ أَسْبَاطًا أُمَمًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَالْأَسْبَاطُ الْقَبَائِلُ وَاحِدُهَا سِبْطٌ.قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ﴾ فِي التِّيهِ، ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ﴾ انْفَجَرَتْ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: عَرِقَتْ وَهُوَ الِانْبِجَاسُ، ثُمَّ انْفَجَرَتْ، ﴿مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ كُلُّ سِبْطٍ، ﴿مَشْرَبَهُمْ﴾ وَكُلُّ سِبْطٍ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ.قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ﴾ فِي التِّيهِ تَقِيهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ، ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عامر ويعقوب: "نغفر" بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْفَاءِ، ﴿خَطِيئَاتِكُمْ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "خَطِيئَتَكُمْ" عَلَى التَّوْحِيدِ وَرَفْعِ التَّاءِ، [وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: "خَطَايَاكُمْ"، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ: "خَطِيئَاتِكُمْ" بِالْجَمْعِ وَرَفْعِ التَّاءِ](١) . وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَمْعِ وَكَسْرِ التَّاءِ ﴿سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا﴾ عَذَابًا ﴿مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾

(١) ما بين القوسين ساقط من "ب".

(تفسير البغوي — البغوي (٥١٦ هـ))

الجمعة، 22 سبتمبر 2023

من سورة الأعراف

٠تفسير اية رقم ١٥٢_١٥٣
من سورة الأعراف 
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ سَیَنَالُهُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُفۡتَرِینَ (١٥٢) وَٱلَّذِینَ عَمِلُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ ثُمَّ تَابُوا۟ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوۤا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ (١٥٣)﴾ [الأعراف ١٥٢-١٥٣]

أَمَّا الْغَضَبُ الَّذِي نَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبَلْ لَهُمْ تَوْبَةً، حَتَّى قَتَل بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [الْبَقَرَةِ:٥٤]وَأَمَّا الذِّلَّةُ فَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ ذُلًّا وَصَغَارًا(١) فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ نَائِلَةٌ لِكُلٍّ مَنِ افْتَرَى بِدْعَةً، فَإِنَّ ذُلَّ الْبِدْعَةِ وَمُخَالَفَةَ الرِّسَالَةِ(٢) مُتَّصِلَةٌ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ ذُلَّ الْبِدْعَةِ عَلَى أَكْتَافِهِمْ، وَإِنْ هَمْلَجَت بِهِمُ الْبَغْلَاتُ، وَطَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ.وَهَكَذَا رَوَى أَيُّوبُ السَّخْتَيَاني، عَنْ أَبِي قِلابة الجَرْمي، أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ قَالَ: هِيَ وَاللَّهِ لِكُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ ذَلِيلٌ.ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عِبَادَهُ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنْ كُفْرٍ أَوْ شِرْكٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ شِقَاقٍ؛ وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ﴾ أَيْ: يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ الرَّحْمَةِ وَنَبِيَّ النُّورِ(٣) ﴿مِنْ بَعْدِهَا﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ تِلْكَ الْفِعْلَةِ ﴿لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَزْرَة(٤) عَنِ الْحَسَنِ العُرَفي، عَنْ عَلْقَمة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ -يَعْنِي عَنْ الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا -فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فَتَلَاهَا عَبْدُ اللَّهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ(٥) بِهَا وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْهَا.

(١) في أ: "فأعقبهم ذل وصغار".
(٢) في م: "الرسل".
(٣) في ك، م، أ: "التوبة".
(٤) في م: "عروة".
(٥) في ك، م: "يأمر".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))