http://www.recitequran.com/ar/tafsir/ar.ibn-kathir/33:1
تفسير
سورة الأحزاب [ وهي ] مدنية . قال [ عبد الله بن ] الإمام أحمد : حدثنا
خلف بن هشام ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر قال : قال لي
أبي بن كعب : كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ أو كأين تعدها ؟ قال : قلت : ثلاثا
وسبعين آية : فقال : قط! لقد رأيتها وإنها لتعادل " سورة البقرة " ، ولقد
قرأنا فيها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله
عليم حكيم " .
ورواه النسائي من وجه آخر ، عن عاصم - وهو ابن أبي
النجود ، وهو ابن بهدلة - به . وهذا إسناد حسن ، وهو يقتضي أنه كان فيها
قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا ، والله أعلم . هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى ،
فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا ، فلأن يأتمر من دونه بذلك
بطريق الأولى والأحرى . وقد قال طلق بن حبيب : التقوى : أن تعمل بطاعة الله
، على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله ، على نور من
الله ، مخافة عذاب الله .
وقوله : ( ولا تطع الكافرين والمنافقين )
أي : لا تسمع منهم ولا تستشرهم ، ( إن الله كان عليما حكيما ) أي : فهو أحق
أن تتبع أوامره وتطيعه ، فإنه عليم بعواقب الأمور ، حكيم في أقواله
وأفعاله .
ولهذا قال : ( واتبع ما يوحى إليك من ربك ) أي : من قرآن وسنة ، ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) أي : فلا تخفى عليه خافية .
( وتوكل على الله ) أي : في جميع أمورك وأحوالك ، ( وكفى بالله وكيلا ) أي : وكفى به وكيلا لمن توكل عليه وأناب إليه .
يقول
تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا حسيا معروفا ، وهو أنه كما لا يكون
للشخص الواحد قلبان في جوفه ، ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله : أنت
علي كظهر أمي - أما له ، كذلك لا يصير الدعي ولدا للرجل إذا تبناه فدعاه
ابنا له ، فقال : ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم
اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) ، كقوله : ( ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا
اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ) . [ المجادلة : 3 ] .
وقوله
: ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) : هذا هو المقصود بالنفي; فإنها نزلت في
شأن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه
وسلم قد تبناه قبل النبوة ، وكان يقال له : " زيد بن محمد " فأراد الله
تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم
) كما قال في أثناء السورة : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول
الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ) [ الأحزاب : 40 ] وقال هاهنا
: ( ذلكم قولكم بأفواهكم ) يعني : تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنا
حقيقيا ، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر ، فما يمكن أن يكون له أبوان ، كما لا
يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان .
( والله يقول الحق وهو يهدي
السبيل ) : قال سعيد بن جبير ( يقول الحق ) أي : العدل . وقال قتادة : (
وهو يهدي السبيل ) أي : الصراط المستقيم .
وقد ذكر غير واحد : أن
هذه الآية نزلت في رجل من قريش ، كان يقال له : " ذو القلبين " ، وأنه كان
يزعم أن له قلبين ، كل منهما بعقل وافر . فأنزل الله هذه الآية ردا عليه .
هكذا روى العوفي عن ابن عباس . قاله مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ،
واختاره ابن جرير .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا زهير ، عن
قابوس - يعني ابن أبي ظبيان - أن أباه حدثه قال : قلت لابن عباس : أرأيت
قول الله تعالى : ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) ، ما عنى بذلك ؟
قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلي ، فخطر خطرة ، فقال
المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترون له قلبين ، قلبا معكم وقلبا معهم ؟
فأنزل الله ، عز وجل : ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) .
وهكذا
رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن صاعد الحراني - وعن
عبد بن حميد ، عن أحمد بن يونس - كلاهما عن زهير ، وهو ابن معاوية ، به .
ثم قال : وهذا حديث حسن . وكذا رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث زهير
، به .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، في قوله : (
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) قال : بلغنا أن ذلك كان في زيد بن
حارثة ، ضرب له مثل ، يقول : ليس ابن رجل آخر ابنك .
وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : أنها نزلت في زيد بن حارثة . وهذا يوافق ما قدمناه من التفسير ، والله أعلم .
وقوله
: ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) : هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء
الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب ، وهم الأدعياء ، فأمر [ الله ]
تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة ، وأن هذا هو العدل والقسط .
قال
البخاري ، رحمه الله : حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ،
حدثنا موسى بن عقبة قال : حدثني سالم عن عبد الله بن عمر ; أن زيد بن
حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد ،
حتى نزل القرآن : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) . وأخرجه مسلم
والترمذي والنسائي ، من طرق ، عن موسى بن عقبة به .
وقد كانوا
يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه ، في الخلوة بالمحارم وغير ذلك; ولهذا
قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة : يا رسول الله ، كنا ندعو سالما ابنا ،
وإن الله قد أنزل ما أنزل ، وإنه كان يدخل علي ، وإني أجد في نفس أبي
حذيفة من ذلك شيئا ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أرضعيه تحرمي عليه "
الحديث .
ولهذا لما نسخ هذا الحكم ، أباح تعالى زوجة الدعي ، وتزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة ، وقال : (
لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ) [
الأحزاب : 37 ] ، وقال في آية التحريم : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم
) [ النساء : 23 ] ، احترازا عن زوجة الدعي ، فإنه ليس من الصلب ، فأما
الابن من الرضاعة ، فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا ، بقوله عليه السلام في
الصحيحين : " حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب " . فأما دعوة الغير ابنا
على سبيل التكريم والتحبيب ، فليس مما نهي عنه في هذه الآية ، بدليل ما
رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي ، من حديث سفيان الثوري ، عن سلمة
بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قدمنا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من
جمع ، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول : " أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس "
. قال أبو عبيد وغيره : " أبيني " تصغير بني . وهذا ظاهر الدلالة ، فإن
هذا كان في حجة الوداع سنة عشر ، وقوله : ( ادعوهم لآبائهم ) في شأن زيد بن
حارثة ، وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان ، وأيضا ففي صحيح مسلم ، من حديث
أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، عن الجعد أبي عثمان البصري ، عن
أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يا بني " . ورواه أبو داود والترمذي .
وقوله : ( فإن لم تعلموا
آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) : أمر [ الله ] تعالى برد أنساب
الأدعياء إلى آبائهم ، إن عرفوا ، فإن لم يعرفوا آباءهم ، فهم إخوانهم في
الدين ومواليهم ، أي : عوضا عما فاتهم من النسب . ولهذا قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء ، وتبعتهم ابنة حمزة تنادي :
يا عم ، يا عم . فأخذها علي وقال لفاطمة : دونك ابنة عمك فاحتمليها .
فاختصم فيها علي ، وزيد ، وجعفر في أيهم يكفلها ، فكل أدلى بحجة ; فقال علي
: أنا أحق بها وهي ابنة عمي - وقال زيد : ابنة أخي . وقال جعفر بن أبي
طالب : ابنة عمي ، وخالتها تحتي - يعني أسماء بنت عميس . فقضى النبي صلى
الله عليه وسلم لخالتها ، وقال : " الخالة بمنزلة الأم " . وقال لعلي : "
أنت مني ، وأنا منك " . وقال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " . وقال لزيد : "
أنت أخونا ومولانا " .
ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها : أنه
، عليه الصلاة والسلام حكم بالحق ، وأرضى كلا من المتنازعين ، وقال لزيد :
" أنت أخونا ومولانا " ، كما قال تعالى : ( فإخوانكم في الدين ومواليكم ) .
وقال
ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن عيينة بن عبد
الرحمن ، عن أبيه قال : قال أبو بكرة : قال الله ، عز وجل : ( ادعوهم
لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم
) ، فأنا ممن لا يعرف أبوه ، وأنا من إخوانكم في الدين . قال أبي : والله
إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه .
وقد جاء في
الحديث : " من ادعى لغير أبيه ، وهو يعلمه ، كفر . وهذا تشديد وتهديد ووعيد
أكيد ، في التبري من النسب المعلوم ; ولهذا قال : ( ادعوهم لآبائهم هو
أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) .
ثم
قال : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) أي : إذا نسبتم بعضهم إلى غير
أبيه في الحقيقة خطأ ، بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع; فإن الله قد وضع الحرج
في الخطأ ورفع إثمه ، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا : (
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) [ البقرة : 286 ] . وثبت في صحيح
مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : قد فعلت " . وفي
صحيح البخاري ، عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا اجتهد الحاكم فأصاب ، فله أجران ، وإن اجتهد فأخطأ ، فله أجر " .
وفي الحديث الآخر : " إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما يكرهون
عليه " .
وقال هاهنا : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما
تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ) أي : وإنما الإثم على من تعمد الباطل
كما قال تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
كسبت قلوبكم ) . وفي الحديث المتقدم : " من ادعى إلى غير أبيه ، وهو يعلمه ،
إلا كفر " . وفي القرآن المنسوخ : " فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم " .
قال
الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، عن عمر أنه قال : بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل معه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه
آية الرجم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا بعده . ثم قال :
قد كنا نقرأ : " ولا ترغبوا عن آبائكم [ فإنه كفر بكم - أو : إن كفرا بكم -
أن ترغبوا عن آبائكم ] ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا
تطروني [ كما أطري ] عيسى بن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبده ورسوله "
. وربما قال معمر : " كما أطرت النصارى ابن مريم " .
ورواه في الحديث الآخر : " ثلاث في الناس كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت ، والاستسقاء بالنجوم " .
قد
علم الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، ونصحه لهم ،
فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم ، كما
قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [ النساء : 65 ] . وفي الصحيح : "
والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده
والناس أجمعين " . وفي الصحيح أيضا أن عمر ، رضي الله عنه ، قال : يا رسول
الله ، والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال : " لا يا عمر ،
حتى أكون أحب إليك من نفسك " . فقال : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء
حتى من نفسي . فقال : " الآن يا عمر " .
ولهذا قال تعالى في هذه الآية : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) .
وقال
البخاري عندها : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا [ محمد بن ] فليح ،
حدثنا أبي ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة ،
رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مؤمن إلا وأنا
أولى الناس به في الدنيا والآخرة . اقرؤوا إن شئتم : ( النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ) ، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا . فإن
ترك دينا أو ضياعا ، فليأتني فأنا مولاه " . تفرد به البخاري .
ورواه
أيضا في " الاستقراض " وابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق ، عن فليح ، به
مثله . ورواه الإمام أحمد ، من حديث أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة
، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري في قوله تعالى : ( النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ) عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقول : " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فأيما رجل مات
وترك دينا ، فإلي . ومن ترك مالا فلورثته " . ورواه أبو داود ، عن أحمد بن
حنبل ، به نحوه .
وقوله : ( وأزواجه أمهاتهم ) أي : في الحرمة
والاحترام ، والإكرام والتوقير والإعظام ، ولكن لا تجوز الخلوة بهن ، ولا
ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع ، وإن سمى بعض العلماء بناتهن
أخوات المؤمنين ، كما هو منصوص الشافعي في المختصر ، وهو من باب إطلاق
العبارة لا إثبات الحكم . وهل يقال لمعاوية وأمثاله : خال المؤمنين ؟ فيه
قولان للعلماء . ونص الشافعي على أنه يقال ذلك . وهل يقال لهن : أمهات
المؤمنات ، فيدخل النساء في جمع المذكر السالم تغليبا ؟ فيه قولان : صح عن
عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لا يقال ذلك . وهذا أصح الوجهين في
مذهب الشافعي ، رحمه الله .
وقد روي عن أبي بن كعب ، وابن عباس
أنهما قرآ : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم "
، وروي نحو هذا عن معاوية ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن : وهو أحد الوجهين
في مذهب الشافعي . حكاه البغوي وغيره ، واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه
أبو داود :
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا ابن المبارك ،
عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ،
فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ولا يستطب بيمينه
" ، وكان يأمر بثلاثة أحجار ، وينهى عن الروث والرمة .
وأخرجه النسائي وابن ماجه ، من حديث ابن عجلان .
والوجه
الثاني : أنه لا يقال ذلك ، واحتجوا بقوله : ( ما كان محمد أبا أحد من
رجالكم ) : وقوله : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) أي :
في حكم الله ( من المؤمنين والمهاجرين ) أي : القرابات أولى بالتوارث من
المهاجرين والأنصار . وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف
والمؤاخاة التي كانت بينهم ، كما قال ابن عباس وغيره : كان المهاجري يرث
الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه ، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وكذا قال سعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقد
أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام ، رضي الله عنه ، فقال :
حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي - من ساكني بغداد - عن عبد
الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزبير بن العوام
قال : أنزل الله ، عز وجل ، فينا خاصة معشر قريش والأنصار : ( وأولو
الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ، وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة ، قدمنا
ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان ، فواخيناهم ووارثناهم . فآخى
أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلانا ، وآخى عثمان بن عفان رضي الله عنه
رجلا من بني زريق ، سعد الزرقي ، ويقول بعض الناس غيره . قال الزبير :
وواخيت أنا كعب بن مالك ، فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى ،
فوالله يا بني ، لو مات يومئذ عن الدنيا ، ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله
هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا .
وقوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) أي : ذهب الميراث ، وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية .
وقوله
: ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) أي : هذا الحكم ، وهو أن أولي الأرحام
بعضهم أولى ببعض ، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول ، الذي لا يبدل ،
ولا يغير . قاله مجاهد وغير واحد . وإن كان قد يقال : قد شرع خلافه في وقت
لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في
قدره الأزلي ، وقضائه القدري الشرعي .