الاثنين، 19 أغسطس 2024

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٣٠_٣٤
من سورة يوسف 
﴿۞ وَقَالَ نِسۡوَةࣱ فِی ٱلۡمَدِینَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِیزِ تُرَ ٰ⁠وِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَیۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـࣰٔا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ مِّنۡهُنَّ سِكِّینࣰا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَیۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَیۡنَهُۥۤ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَیۡدِیَهُنَّ وَقُلۡنَ حَـٰشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا مَلَكࣱ كَرِیمࣱ (٣١) قَالَتۡ فَذَ ٰ⁠لِكُنَّ ٱلَّذِی لُمۡتُنَّنِی فِیهِۖ وَلَقَدۡ رَ ٰ⁠وَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَىِٕن لَّمۡ یَفۡعَلۡ مَاۤ ءَامُرُهُۥ لَیُسۡجَنَنَّ وَلَیَكُونࣰا مِّنَ ٱلصَّـٰغِرِینَ (٣٢) قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدۡعُونَنِیۤ إِلَیۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّی كَیۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَیۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ (٣٣) فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَیۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ (٣٤)﴾ [يوسف ٣٠-٣٤]

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ خَبَرَ يُوسُفَ وَاِمْرَأَةِ الْعَزِيزِ شَاعَ فِي الْمَدِينَةِ، وَهِيَ مِصْرُ، حَتَّى تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ، ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ مِثْلُ نِسَاءِ الْأُمَرَاءِ [و](١) الْكُبَرَاءِ، يُنْكِرْنَ عَلَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ الْوَزِيرُ، وَيَعِبْنَ ذَلِكَ عَلَيْهَا: ﴿امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ أَيْ: تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نَفْسِهَا، ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ أَيْ قَدْ: وَصَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِ قَلْبِهَا. وَهُوَ غِلَافُهُ.قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الشَّغَف: الْحُبُّ الْقَاتِلُ، والشَّغَف دُونَ ذَلِكَ، وَالشَّغَافُ: حِجَابُ الْقَلْبِ.﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ أَيْ: فِي صَنِيعِهَا هَذَا مِنْ حُبِّهَا فَتَاهَا، وَمُرَاوَدَتِهَا إِيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ.﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: بِقَوْلِهِنَّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: بَلْ(٢) بَلَغهُنَّ حُسْنُ يُوسُفَ، فَأَحْبَبْنَ أَنْ يَرَيْنَهُ، فَقُلْنَ ذَلِكَ لِيَتَوَصَّلْنَ إِلَى رُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾ أَيْ: دَعَتْهُنَّ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتُضَيِّفَهُنَّ ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ الْمَجْلِسُ الْمُعَدُّ، فِيهِ مَفَارِشُ وَمَخَادُّ وَطَعَامٌ، فِيهِ مَا يُقْطَعُ بِالسَّكَاكِينِ مَنْ أُتْرُجٍّ(٣) وَنَحْوِهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ وَكَانَ هَذَا مَكِيدَةً مِنْهَا، وَمُقَابَلَةً لَهُنَّ فِي احْتِيَالِهِنَّ عَلَى رُؤْيَتِهِ، ﴿وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ خَبَّأَتْهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، ﴿فَلَمَّا﴾ خَرَجَ وَ ﴿رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أَيْ: أَعَظَمْنَ شَأْنَهُ، وَأَجْلَلْنَ قَدْرَهُ؛ وَجَعَلْنَ يُقَطِّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ دَهَشا بِرُؤْيَتِهِ، وَهُنَّ يَظْنُنَّ أَنَّهُنَّ يُقَطِّعْنَ الْأُتْرُجَّ(٤) بِالسَّكَاكِينِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُنَّ حَزَّزْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِهَا، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ: قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ حَتَّى أَلْقَيْنَهَا، فَاللَّهُ(٥) أَعْلَمُ.وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أنها قالت لهن بعدما أَكَلْنَ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُنَّ، ثُمَّ وَضَعَتْ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ أُتْرُجًّا(٦) وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا: هَلْ لَكُنَّ فِي النَّظَرِ إِلَى يُوسُفَ؟ قُلْنَ: نَعَمْ. فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ تَأْمُرُهُ أَنِ اخْرُجْ إِلَيْهِنَّ(٧) فَلَمَّا رَأَيْنَهُ جَعَلْنَ يَقْطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، ثُمَّ أَمَرَتْهُ أَنْ يَرْجِعَ فَرَجَعَ لِيَرَيْنَهُ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَهُنَّ يُحَزُّزْنَ فِي أَيْدِيهِنَّ، فَلَمَّا أَحْسَسْنَ بِالْأَلَمِ جَعَلْنَ يُوَلْوِلْنَ، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ مِنْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلْتُنَّ هَكَذَا، فَكَيْفَ أُلَامُ أَنَا؟ فَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ، ثُمَّ قُلْنَ لَهَا: وَمَا نَرَى عَلَيْكِ مِنْ لَوْمٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْنَا، لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَرَيْنَ فِي الْبَشَرِ شَبَهَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(٨) كَانَ قَدْ أُعْطِي شَطْرَ الْحُسْنِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِيُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، قَالَ: "فَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ"(٩)وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُعْطِيَ يوسف وأمه شطر الْحُسْنِ"(١٠) وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ ثُلُثَ الْحُسْنِ.وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَيْضًا، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ وَجْهُ يُوسُفَ مَثَلَ الْبَرْقِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا أَتَتْهُ لِحَاجَةٍ غَطَّى وَجْهَهُ مَخَافَةَ أَنْ تَفْتَتِنَ بِهِ.وَرَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ ثُلُثَ حُسْنِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَأُعْطِيَ النَّاسُ الثُّلُثَيْنِ -أَوْ قَالَ: أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ الثُّلُثَيْنِ وَالنَّاسُ الثُّلُثَ"(١١)وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشي قَالَ: قُسِمَ الْحُسْنُ نِصْفَيْنِ، فَأُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ سَارَّةُ نِصْفَ الْحُسْنِ. وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ سَائِرِ الْخَلْقِ.وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: مَعْنَاهُ: أَنَّ يُوسُفَ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ عَلَى أَكْمَلِ صُورَةٍ وَأَحْسَنِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُوَازِيهِ فِي جَمَالِهِ، وَكَانَ يُوسُفُ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ حُسْنِهِ.فَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ: ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَعَاذَ اللَّهِ، ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "مَا هَذَا بِشِرىً" أَيْ: بِمُشْتَرًى.﴿إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ تَقُولُ هَذَا مُعْتَذِرَةً إِلَيْهِنَّ بِأَنَّ هَذَا حَقِيقٌ بِأَنْ يُحَبَّ لِجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ.﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ أَيْ: فَامْتَنَعَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رَأَيْنَ جَمَالَهُ الظَّاهِرَ، أَخْبَرَتْهُنَّ بِصِفَاتِهِ الْحَسَنَةِ الَّتِي تَخْفَى عَنْهُنَّ، وَهِيَ(١٢) الْعِفَّةُ مَعَ هَذَا الْجَمَالِ، ثُمَّ قَالَتْ تَتَوَعَّدُ(١٣) ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَعَاذَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ شَرِّهِنَّ وَكَيْدِهِنَّ، وَقَالَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ أَيْ: مِنَ الْفَاحِشَةِ، ﴿وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ أَيْ: إِنْ وَكَّلْتَنِي إِلَى نَفْسِي، فَلَيْسَ لِي مِنْ نَفْسِي قُدْرَةٌ، وَلَا أَمَلِكُ لَهَا ضُرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي.﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَصَمه اللَّهُ عِصْمَةً عَظِيمَةً، وَحَمَاهُ فَامْتَنَعَ منها أشد الامتناع، واختار السجن عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَقَامَاتِ الْكَمَالِ: أَنَّهُ مَعَ شَبَابِهِ وَجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ تَدْعُوهُ سَيِّدَتُهُ، وَهِيَ امْرَأَةُ عَزِيزِ مِصْرَ، وَهِيَ مَعَ هَذَا فِي(١٤) غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْمَالِ، وَالرِّيَاسَةِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَخْتَارُ السِّجْنَ عَلَى ذَلِكَ، خَوْفًا مِنَ اللَّهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ.وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ(١٥) وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ(١٦) إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَافْتَرَقَا(١٧) عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ وَمَنْصِبٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"(١٨)

(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "قيل".
(٣) في ت، أ: "أترنج".
(٤) في: "الأترج".
(٥) في أ: "والله".
(٦) في أ: "أترنجا".
(٧) في أ: "عليهن".
(٨) في ت، أ: "وسلامه".
(٩) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٦٢) من حديث أنس رضي الله عنه.
(١٠) رواه الطبري في تفسيره (١٦/٨٠) والحاكم في المستدرك (٢/٥٧٠) وابن عدي في الكامل (٥/٣٨٥) من طريق عفان عن حماد بن سلمة به، وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يخرجاه". قال ابن عدي: "وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان، وغيره أوقفه عن حماد بن سلمة، وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب إلى الضعف".
(١١) رواه الطبري في تفسيره (١٦/٨٠) .
(١٢) في ت: "عليهن وهو".
(١٣) في ت، أ: "تتوعده".
(١٤) في ت: "إلى".
(١٥) في ت: "في طاعة الله عز وجل".
(١٦) في ت، أ: "في المسجد".
(١٧) في ت، أ: "وتفرقا".
(١٨) صحيح البخاري برقم (١٤٢٣) وصحيح مسلم برقم (١٠٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الأربعاء، 14 أغسطس 2024

من سورة يوسف

 صدقة جارية


 

تفسير اية رقم ٧_١٠

من سورة يوسف 

﴿۞ لَّقَدۡ كَانَ فِی یُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦۤ ءَایَـٰتࣱ لِّلسَّاۤىِٕلِینَ (٧) إِذۡ قَالُوا۟ لَیُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰۤ أَبِینَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ (٨) ٱقۡتُلُوا۟ یُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضࣰا یَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِیكُمۡ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمࣰا صَـٰلِحِینَ (٩) قَالَ قَاۤىِٕلࣱ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُوا۟ یُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّ یَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّیَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ (١٠)﴾ [يوسف ٧-١٠]


يَقُولُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ وَخَبَرِهِ مَعَ إِخْوَتِهِ آيَاتٌ، أَيْ عبرةٌ ومواعظُ لِلسَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ، الْمُسْتَخْبِرِينَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَجِيبٌ، يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسْتَخْبَرَ عَنْهُ، ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ أَيْ: حَلَفُوا فِيمَا يَظُنُّونَ: وَاللَّهِ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ -يَعْنُونُ بِنْيَامِينَ، وَكَانَ شَقِيقَهُ لِأُمِّهِ - ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أَيْ: جَمَاعَةٌ، فَكَيْفَ أَحَبَّ ذَيْنِكَ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمَاعَةِ؛ ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ يَعْنُونَ فِي تَقْدِيمِهِمَا عَلَيْنَا، وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُمَا أَكْثَرَ مِنَّا.وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّةِ إِخْوَةِ يُوسُفَ، وَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَيَحْتَاجُ مُدّعي ذَلِكَ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سوَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٣٦] ، وَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ بُطُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُمُ: الْأَسْبَاطُ، كَمَا يُقَالُ لِلْعَرَبِ: قَبَائِلُ، وَلِلْعَجَمِ: شُعُوبٌ؛ يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَذَكَرَهُمْ إِجْمَالًا لِأَنَّهُمْ كَثِيرُونَ، وَلَكِنَّ كُلَّ سِبْطٍ مِنْ نَسْلِ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَعْيَانِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي يُزَاحِمُكُمْ فِي مَحَبَّةِ أَبِيكُمْ لَكُمْ، أَعْدِمُوهُ مِنْ وَجْهِ أَبِيكُمْ، لِيَخْلُوَ لَكُمْ وَحْدَكُمْ، إِمَّا بِأَنْ تَقْتُلُوهُ، أَوْ تُلْقُوهُ فِي أَرْضٍ مِنَ الْأَرَاضِي -تَسْتَرِيحُوا مِنْهُ، وَتَخْتَلُوا أَنْتُمْ بِأَبِيكُمْ، وَتَكُونُوا مِنْ(١) بَعْدِ إِعْدَامِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ. فَأَضْمَرُوا التَّوْبَةَ قَبْلَ الذَّنْبِ.﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ قَالَ قَتَادَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ أَكْبَرَهُمْ وَاسْمُهُ رُوبِيلُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الَّذِي قَالَ ذَلِكَ يَهُوذَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ شَمْعُونُ ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ أَيْ: لَا تَصِلوا(٢) فِي عَدَاوَتِهِ وَبُغْضِهِ إِلَى قَتْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ(٣) سبيلٌ إِلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُرِيدُ مِنْهُ أَمْرًا لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهِ وَإِتْمَامِهِ، مِنَ الْإِيحَاءِ إِلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَمِنَ التَّمْكِينِ لَهُ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالْحُكْمِ بِهَا، فَصَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْهُ بِمَقَالَةِ رُوبِيلَ فِيهِ وَإِشَارَتِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ، وَهُوَ أَسْفَلَهُ.قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ بِئْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ أَيْ: الْمَارَّةُ مِنَ الْمُسَافِرِينَ، فَتَسْتَرِيحُوا بِهَذَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى قَتْلِهِ.﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ عَازِمِينَ عَلَى مَا تَقُولُونَ.قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: لَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أمر عظيم، من قطيعة الرحم، وعقوق الْوَالِدِ، وَقِلَّةِ الرَّأْفَةِ بِالصَّغِيرِ الضَّرَع الَّذِي لَا ذَنْبَ لَهُ، وَبِالْكَبِيرِ الْفَانِي ذِي الْحَقِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْفَضْلِ، وَخَطَرُهُ عِنْدَ اللَّهِ، مَعَ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، لِيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ(٤) وَحَبِيبِهِ، عَلَى كِبَرِ سِنِّهِ، ورِقَّة عَظْمِهِ، مَعَ مَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ فِيمَنْ أَحَبَّهُ طِفْلًا صَغِيرًا، وَبَيْنَ أَبِيهِ عَلَى ضَعْفِ قُوَّتِهِ وَصِغَرِ سَنِّهِ، وَحَاجَتِهِ إِلَى لُطْفِ وَالِدِهِ وَسُكُونِهِ إِلَيْهِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَقَدِ احْتَمَلُوا أَمْرًا عَظِيمًا.رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْهُ.


(١) في أ: "وتكونوا من بعده، أي من بعد".

(٢) في أ: "لا تغلوا".

(٣) في ت: "له".

(٤) في ت: "أبيه".


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة يوسف

 ﴿قَالُوا۟ یَـٰۤأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ یُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَـٰصِحُونَ (١١) أَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدࣰا یَرۡتَعۡ وَیَلۡعَبۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ (١٢)﴾ [يوسف ١١-١٢]


لَمَّا تُوَاطَئُوا عَلَى أَخْذِهِ وطَرْحه فِي الْبِئْرِ، كَمَا أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَخُوهُمُ الْكَبِيرُ رُوبيل، جَاءُوا أَبَاهُمْ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالُوا: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ وَهَذِهِ تَوْطِئَةٌ وَسَلَفٌ وَدَعْوَى، وَهُمْ يُرِيدُونَ خِلَافَ ذَلِكَ؛ لِمَا لَهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْحَسَدِ لِحُبِّ أَبِيهِ لَهُ، ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا﴾ أَيِ: ابْعَثْهُ مَعَنَا، ﴿غَدًا نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ﴾ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالْيَاءِ ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْعَى وَيَنْشَطُ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ والُّسدِّي، وَغَيْرُهُمْ.﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ يَقُولُونَ: وَنَحْنُ نَحْفَظُهُ وَنَحُوطُهُ مِنْ أَجْلِكَ.


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))


من سورة يوسف

 ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [يوسف ١٥]


يَقُولُ تَعَالَى: فَلَمَّا ذَهَبَ(١) بِهِ إِخْوَتُهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ، ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ هَذَا فِيهِ تَعْظِيمٌ لِمَا فَعَلُوهُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى إِلْقَائِهِ فِي أَسْفَلِ ذَلِكَ الْجُبِّ، وَقَدْ أَخَذُوهُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ فِيمَا يُظهرونه لَهُ إِكْرَامًا لَهُ، وَبَسْطًا وَشَرْحًا لِصَدْرِهِ، وَإِدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: إِنَّ يَعْقُوبَ(٢) عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا بَعَثَهُ مَعَهُمْ ضَمَّهُ إِلَيْهِ، وقَبَّله وَدَعَا لَهُ.وَقَالَ(٣) السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إِكْرَامِهِمْ لَهُ وَبَيْنَ إِظْهَارِ الْأَذَى لَهُ، إِلَّا أَنْ غَابُوا عَنْ عَيْنِ أَبِيهِ وَتَوَارَوْا عَنْهُ، ثُمَّ شَرَعُوا يُؤْذُونَهُ بِالْقَوْلِ، مِنْ شَتْمٍ وَنَحْوِهُ، وَالْفِعْلِ مِنْ ضَرْب وَنَحْوِهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجُبِّ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى رَمْيِهِ فِيهِ فَرَبَطُوهُ بِحَبْلٍ وَدَلُّوهُ فِيهِ، فَجَعَلَ إِذَا لَجَأَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَطَمَهُ وشَتمه، وَإِذَا تَشَبَّثَ بِحَافَاتِ الْبِئْرِ ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ قَطَعُوا بِهِ الْحَبْلَ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ، فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ فَغَمَرَهُ، فَصَعِدَ إِلَى صَخْرَةٍ تَكُونُ فِي وَسَطِهِ، يُقَالُ لَهَا: "الرَّاغُوفَةُ"(٤) فَقَامَ فَوْقَهَا.قال الله تعال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذَاكِرًا لُطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ وَعَائِدَتَهُ(٥) وَإِنْزَالَهُ الْيُسْرَ فِي حَالِ الْعُسْرِ: إِنَّهُ أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الضَّيِّقِ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَتَثْبِيتًا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَحْزَنْ مِمَّا(٦) أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ فَرَجًا وَمُخْرَجًا حَسَنًا، وَسَيَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُعْلِيكَ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَكَ، وَسَتُخْبِرُهُمْ(٧) بِمَا فَعَلُوا مَعَكَ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ.

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ -قَالَ [مُجَاهِدٌ و](٨) قَتَادَةُ: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِإِيحَاءِ اللَّهِ إِلَيْهِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَتُنْبِئُهُمْ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا فِي حَقِّكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَكَ، وَلَا يَسْتَشْعِرُونَ بِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عُبادة الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ عَلَى يُوسُفَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، قَالَ: جِيءَ بِالصُّوَاعِ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ: أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ "يُوسُفُ"، يُدْنِيهِ دُونَكُمْ، وَأَنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ فَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ -قَالَ: ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ -فَأَتَيْتُمْ أَبَاكُمْ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذب -قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لَيُخْبِرُهُ بِخَبَرِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا نَرَى(٩) هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِيهِمْ: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(١٠) .


(١) في ت، أ: "ذهب".

(٢) في ت، أ: "يوسف".

(٣) في ت: "فذكر".

(٤) في أ: "الراغوف".

(٥) في ت: "وعائد به".

(٦) في ت، أ: "فيما".

(٧) في ت، أ: "وسيجزيهم".

(٨) زيادة من ت.

(٩) في ت: "فلا يرى"، وفي أ: "فلا نرى".

(١٠) تفسير الطبري (١٥/٥٧٦) .


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))