صدقة جارية
تفسير اية رقم ١٥_٢٠
من سورة الفجر
﴿فَأَمَّا ٱلۡإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَیَقُولُ رَبِّیۤ أَكۡرَمَنِ (١٥) وَأَمَّاۤ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَیۡهِ رِزۡقَهُۥ فَیَقُولُ رَبِّیۤ أَهَـٰنَنِ (١٦) كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡیَتِیمَ (١٧) وَلَا تَحَـٰۤضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ (١٨) وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلࣰا لَّمࣰّا (١٩) وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبࣰّا جَمࣰّا (٢٠)﴾ [الفجر ١٥-٢٠]
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي اعْتِقَادِهِ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ لِيَخْتَبِرَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِكْرَامٌ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:٥٥، ٥٦] . وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ إِذَا ابْتَلَاهُ وَامْتَحَنَهُ وضَيَّق عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ، يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِهَانَةٌ لَهُ. قَالَ اللَّهُ: ﴿كَلا﴾ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ، لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالَيْنِ، إِذَا كَانَ غَنِيًّا بِأَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا بِأَنْ يَصْبِرَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ فِيهِ أَمْرٌ بِالْإِكْرَامِ لَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ(١) عَنْ أَبِي هُريرة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ" ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا"(٢) .وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ-حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَهْلٍ -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ". وَقَرَنَ(٣) بَيْنَ إصبعيه: الوسطى والتي تلي الإبهام(٤) .﴿وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ يَعْنِي: لَا يَأْمُرُونَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَيُحِثُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي ذَلِكَ، ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ﴾ يَعْنِي: الْمِيرَاثَ ﴿أَكْلا لَمًّا﴾ أَيْ: مِنْ أَيِّ جِهَةٍ حَصَلَ لَهُمْ، مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ أَيْ: كَثِيرًا -زَادَ بَعْضُهُمْ: فَاحِشًا.
(١) في م: "غياث".
(٢) الزهد لابن المبارك برقم (٦٥٤) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (٣٦٧٩) من طريق ابن المبارك، وقال البوصيري في الزوائد (٣/١٦٥) : "هذا إسناد ضعيف، يحيى بن سليمان -أبو صالح- قال فيه البخاري: منكر، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات".
(٣) في أ: "وفرق".
(٤) سنن أبي داود برقم (٥١٥٠) وهو في صحيح البخاري برقم (٦٠٠٥) من طريق ابن أبي حازم به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق