آيات الله العظمى
الله و الكون المعقد
جون وليم كلونس(*)
عندما حاولت أن أكتب في هذا الموضوع جالت بخاطري حكمتان قديمتان من الحكم المقدسة و هما :
" السماوات تشهد بجلال الله ، وإحكامها يدل على بديع صنعه ".
" يقول الأحمق في نفسه : ليس هناك إله " .
إن هذا العالم الذي نعيش فيه بلغ من الإتقان و التعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشا بمحض الصدفة . إنه مليء بالروائع و الأمور التي تحتاج إلى مدبر ، والتي لا يمكن نسبتها إلى قدر أعمى . و لا شك أن العلوم قد ساعدتنا على زيادة فهم و تقدير ظواهر هذا الكون المعقد . و هي بذلك من معرفتنا بالله و من إيماننا بوجوده .
و من التعقيدات الطريفة في هذا الكون ، ما نشاهده من العلاقات التوافقية الاضطرارية بين الأشياء أحياناً ؟ و من أمثلتها العلاقات الموجودة بين فراش اليوكا ونبات اليوكا و هو أحد النباتات الزنبقية . فزهرة اليوكا تتدلى على أسفل و يكون عضو التأنيث فيها أكثر انخفاضاً عن عضوا التذكير أو السداة . أما الميسم و هو الجزء من الزهور الذي يتلقى حبوب اللقاح ، فإنه على شكل الكأس و هو موضوع بطريقة يستحيل معها أن تسقط معها فيه حبوب اللقاح .
و لابد أن تنتقل هذه الحبوب بواسطة فراشة اليوكا التي تبدأ عملها بعد مغيب الشمس بقليل، فتجمع كمية من حبوب اللقاح من الأزهار التي تزورها و تحفظها في فمها الذي بني بطرقة خاصة لأداء هذا العمل .
ثم تطير الفراشة إلى نبات آخر من نفس النوع و تثقب مبيضها بجهاز خاص في مؤخرة جسمها ، ينتهي بطرف مدبب يشبه الإبرة و ينزل منه البيض . و تضع الفراشة بيضة أو أكثر ثم تزحف إلى أسفل الزهرة حتى تصل إلى القلم ، و هناك تترك ما جمعته من حبوب اللقاح على صورة كرة فوق ميسم الزهرة . و ينتج عدداً كبيراً من الحبوب يستخدم بعضها طعاماً ليرقة الفراشة و ينضج بعضها لكي يواصل دورة الحياة .
و هناك علاقة مشابهة بين نبات التين و مجموعة من الزنابير الصغيرة فهناك نوعان من نبات التين، و ينتج هذا النبات عين من مجموعات الأزهار يحتوي أحدهما على الأزهار المذكرة و المؤنثة معا . أما الآخر فجميع أزهاره مؤنثة . و تقوم بتلقيح الأزهار المؤنثة في كلا النوعين السابقين إناث الزنابير . و تكون فتحة التخت الذي يحمل مجموعات الأزهار في كلا النوعين ضيقة إلى حد كبير بسبب إحاطتها بكثير من الأوراق الحرشفية مما يجعل وصول الحشرة إلى الداخل يتم بصعوبة كبيرة و يؤدي إلى تمزق أجنحتها . و عندما تدخل الحشرة إلى المجموعة التي تشتمل على الأزهار الذكرية و الأنثوية ، تضع الحشرة الأنثى بيضها ثم تموت ثم يفقس البيض و تتزاوج الشفافير الصغيرة الناتجة ، و لا يستطيع أن يخرج منها سوى الإناث ،أما الذكور فتموت ، و قبل أن تخرج الإناث تلتصق هبوات اللقاح بأجسامها فتحملها إلى مجموعات جديدة من الأزهار . فإذا كانت المجموعات الجيدة تشتمل على أزهار ذكور وأخرى إناث ، فإن العلمية تتكرر بالصورة السابقة ، أما إذا اشتملت المجموعة على أزهار إناث فقط ، فإن الفراشة تموت دون أن تضع البيوض .
ففي هذه الحالة تكون الأزهار الإناث على درجة من الطول بحيث لا تستطيع أن تصل الحشرات إلى قاعدتها لكي تضع البيض هناك ، و عندما تحاول الحشرات أن تصل إلى هذه القاعدة العميقة دون جدوى تلقح الأزهار بما تحمله من هبوات اللقاح ، ثم تنضج الأزهار و تكون ثمار التين . و عندما أدخل التين إلى الولايات المتحدة لأول مرة لم يكن ينتج ثماراً و لم يمكن إنتاج الثمار و قيام و صناعة التين إلا بعد أن جلبت الشفافير إلى الولايات المتحدة .
و هناك كثير من الأزهار التي تسجن الحشرات داخلا ، ومن أمثلتها الزهرة المسات " جاك المصورة " JACK IN THE PULPIT . و لهذا النبات نوعان من المجموعات الزهرية ، ذكور و إناث . و هي تتكون داخل مقصورات تضيق عند منتصفها . و يتم التلقيح بواسطة ذبابة دقيقة تدخل إلى المقصورة ولا تكاد تجتاز المنطقة الضيقة الوسطى حتى تجد نفسها سجينة ليس بسبب الضيق فحسب بل بسبب تغطية الجدران الداخلية بمادة شمعية منزلقة يتعذر معها على الحشرة أن تثبت أقدامها ، و عندئذ تدور الحشرات بصورة جنونية داخل المكان ، فتعلق هبوات اللقاح بجسمها . و بعد قليل تتصلب جوانب المقصورة بعض الشيء فتستطيع الحشرة الخروج بعد أن يكون جسمها تغطى بهبوات اللقاح . فإذا زارت الحشرة مقصورة مذكرة أخرى تكررت العملية السابقة ، أما إذا دخلت مقصورة أنثى فإنها تسجن في داخلها سجناً دائماً حتى تموت و عند محاولتها اليائسة للخروج ، تقوم بتلقيح الأزهار الأنثى . إن النبات في هذه الحالة لا يهتم بخروج الحشرة لأنها تكون قد أدت رسالتها ، أما عند زيارتها للمقصورات المذكرة فإنه يسمح لها بالخروج لأنها لا تكون قد أدت رسالتها بعد .
أفلا تدل كل هذه الشواهد على وجود الله ؟إنه من الصعب على عقولنا أن تتصور أن كل هذا التوافق العجيب قد تم بمحض المصادفة ، إنه لابد أن يكون نتيجة توجيه محكم احتاج إلى قدرة و تدبير .
و نستطيع أن نلمح أدلة أخرى على وجود الله و قدرته في تلك الحالات العديدة التي حاول الإنسان فيها أن يتدخل في توازن الطبيعة أو يعمل على تعديله.
فمثلاً عندما نزل المهاجرون الأولون أستراليا ، لم يكن هنالك من الثدييات المشيمية إلا الدنجو ، و هو كلب بري . و لما كان هؤلاء المهاجرون قد نزحوا من أوربا فقد تذكروا ما كان يهيئه صيد الأرنب من فرصة طيبة لممارسة الصيد و الرياضة . و في محاولة لتحسين الطبيعة في أستراليا استورد توماس أوستين نحو أثني عشر زوجاً من الأرانب و أطلقها هناك، و كان ذلك سنة 1859 ،و لم يكن لهذه الأرانب أعداء طبيعيون في استراليا ، و لذلك فقد تكاثرت بصورة مذهلة ، وزاد عددها زيادة كبيرة فوق ما كان ينتظرون و كانت النتيجة سيئة للغاية . فقد أحدثت الأرانب أضراراً بالغة بتلك البلاد حيث قضت على الحشائش و المراعي التي ترعاها الأغنام . و قد بذلت محاولات عديدة للسيطرة على الأرانب، وبنيت أسوار عبر القارة في كوينزلاند بلغ امتدادها 7000 ميل و مع ذلك ثبت عدم فائدتها . فقد استطاعت الأرانب أن تتخطاها . ثم استخدم نوع من الطعم السام و لكن هذه المحاولة باءت هي الأخرى بالفشل . و لم يمكن الوصول آلة حل إلا في السنوات الأخيرة ، و كان ذلك باستخدام فيروس خاص يسبب مرضاً قاتلاً لهذه الأرانب هو مرض الرض المخاطي . و قد لا يكون هذا هو الحل الأخير ، فقد أخذنا نسمع أخيراً عن ظهور أرانب حصينة لديها مقاومة كبيرة لهذا المرض في استراليا . ومع ذلك فقد أدى انخفاض عدد الأرانب هنالك إلى منافح جمة ، و تحولت مناطق البراري القاحلة و الجبال المقفرة التي بقيت عشرات السنين إلى مروج خضراء يانعة . و قد ترتب على ذلك في الإيراد من صناعة الأغنام وحدها قدرت 1952 ـ 1953 بما يبلغ 84 مليون جنيه .
ومن الممكن أن يكون لدينا مشكلة أرانب مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأرانب الأوربية تختلف في نوعها عن الأرانب التي كانت تستوطن أمريكا ، و التي لا تعرف الآن إلا في جزيرة سان جوان حيث تعيش في عزلة تامة سنة 1900 . و قد حاول أصحاب بعض نوادي الصيد ـ بحسن نية طبعاً ـ أن يعمموا نوع الأرنب المسمى سان جوان في الولايات المتحدة كلها بسبب صعوبة استيراد النوع المسمى ذيل القطن و انتقاله من ولاية إلى أخرى كما كانت الحال من قبل . و كان من الممكن أن تصبح النتيجة خطيرة للغاية لأن أرانب السان جوان تتكاثر في الولايات المتحدة بنفس السرعة التي تتكاثر بها الأرانب في أستراليا . و من الاحتياطات الحديثة التي أتخذت لتلافي هذا الخطر رفع الحظر عن صيد هذا النوع من الأرانب على مدار السنة .
و من الطريف أن استخدام فيروس الأرانب في أوربا قد أحدث أثره هنالك . فقد أحضر طبيب فرنسي من المهتمين بالموضوع ـ بسبب ما أحدثته الأرانب من الأضرار للأشجار في حديقـته ، بعض هذا الفيروس و حقن به بعض الأرانب البرية في فرنسا ، بل الأقاليم الأوربية المجاورة أيضاً . و يتجادل الناس حول هذا الموضوع فتختلف وجهات نظرهم . فمنهم من يرى أن العمل قد أدى إلى خفض كمية اللحوم التي كانت تعيش عليها الطبقات الفقيرة . و منهم من يرى أن هذا العجز يعوضه تحسين الإنتاج النباتي بعد انخفاض عدد الأرانب .
(*) عالم في الوراثة ـ حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بيتسب أستاذ علم الأحياء و الفسيولوجيا بكلية المعلمين بكلونكورديا منذ 1945 عضو جمعية الدراسات الوراثة ـ مختص في الوراثة و علم البيئة .
المصدر :
عن كتاب "الله يتجلى في عصر العلم .."
جمعها : جون كلوفر مونسما
ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان
الناشر مؤسسة الحلبي و شركاه للنشر و التوزيع القاهرة
جميع حقوق الموقع محفوظة
لموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
www.55a.net
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق