صدقة جارية
تفسير اية رقم ٢٣_٣١
من سورة الإنسان
﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِیلࣰا (٢٣) فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورࣰا (٢٤) وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا (٢٥) وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَٱسۡجُدۡ لَهُۥ وَسَبِّحۡهُ لَیۡلࣰا طَوِیلًا (٢٦) إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ یُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاۤءَهُمۡ یَوۡمࣰا ثَقِیلࣰا (٢٧) نَّحۡنُ خَلَقۡنَـٰهُمۡ وَشَدَدۡنَاۤ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَاۤ أَمۡثَـٰلَهُمۡ تَبۡدِیلًا (٢٨) إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلࣰا (٢٩) وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا (٣٠) یُدۡخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمِینَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمَۢا (٣١)﴾ [الإنسان ٢٣-٣١]
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى رَسُولِهِ ﷺ بِمَا نَزَّلَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ تَنْزِيلًا ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أَيْ: كَمَا أكرمتُكَ بِمَا أنزلتُ عَلَيْكَ، فَاصْبِرْ عَلَى قَضَائِهِ وقَدَره، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيُدَبرك بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِ، ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ أَيْ: لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنْ أَرَادُوا صَدّك عَمًّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ(١) بَلْ بَلّغ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. فَالْآثِمُ هُوَ الْفَاجِرُ فِي أَفْعَالِهِ، وَالْكَفُورُ هُوَ الْكَافِرُ بِقَلْبِهِ.﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ أَيْ: أولَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ.﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٧٩] وَكَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ١-٤] .ثُمَّ قَالَ: مُنْكِرًا عَلَى الْكُفَّارِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ فِي حُبّ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَالِانْصِبَابِ إِلَيْهَا، وَتَرْكِ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.ثُمَّ قَالَ: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي خَلْقَهم. ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا﴾ أَيْ: وَإِذَا شِئْنَا بَعَثْنَاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وبَدلناهم فَأَعَدْنَاهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْبُدَاءَةِ عَلَى الرَّجْعَةِ.وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا﴾ [أَيْ](٢) : وَإِذَا شِئْنَا أَتَيْنَا بِقَوْمٍ آخَرِينَ غَيْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ(٣) قَدِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: ١٣٣] وَكَقَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ١٩، ٢٠، وَفَاطِرٍ ١٦، ١٧] .ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ يَعْنِي: هَذِهِ السُّورَةَ ﴿تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا﴾ أَيْ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا، أَيْ: مَنْ شَاءَ اهْتَدَى بِالْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٣٩] .ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أَيْ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَهدي نَفْسَهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ(٤) وَلَا يُجْرِ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، ﴿إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أَيْ: عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ فَيُيَسّرها لَهُ، وَيُقَيِّضُ لَهُ أَسْبَابَهَا، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَوَايَةَ فَيَصْرِفُهُ عَنِ الْهُدَى، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ثُمَّ قَالَ: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ أَيْ: يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يَهْدِهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.[آخِرُ سورة "الإنسان"](٥) [والله أعلم](٦)
(١) في أ: "عليك".
(٢) زيادة من م.
(٣) في أ: "وكان الله على كل شيء" وهو خطأ.
(٤) في م: "في إيمان"
(٥) زيادة من م، أ.
(٦) زيادة من أ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق