صدقة جارية
تفسير اية رقم ١٠١
من سورة يوسف
﴿۞ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ [يوسف ١٠١]
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ﴾قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الأرض، متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: ﴿رب قد آتيتني من الملك﴾ ، يعني: من ملك مصر = ﴿وعلمتني من تأويل الأحاديث﴾ ، يعني من عبارة الرؤيا،(١) تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له عليها = ﴿فاطر السموات والأرض﴾ ، يقول: يا فاطر السموات والأرض، يا خالقها وبارئها(٢) = ﴿أنت وليي في الدنيا والآخرة﴾ ، يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك. ((٣) توفني مسلمًا) ، يقول: اقبضني إليك مسلمًا(٤) . ﴿وألحقني بالصالحين﴾ ، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك.
* * *وقيل: إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف.
* ذكر من قال ذلك:١٩٩٤٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث﴾ ، الآية، كان ابن عباس يقول:(٥) أول نبي سأل الله الموت يوسف.١٩٩٤١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: ﴿رب قد آتيتني من الملك﴾ ... ، الآية، قال: اشتاق إلى لقاء ربه، وأحبَّ أن يلحق به وبآبائه، فدعا الله أن يتوفَّاه ويُلْحِقه بهم. ولم يسأل نبيّ قطّ الموتَ غير يوسف، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث) ، الآية = قال ابن جريج: في بعض القرآن من الأنبياء(٦) :"توفني"(٧)١٩٩٤٢ -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين﴾ ، لما جَمَع شمله، وأقرَّ عينه، وهو يومئذ مغموس في نَبْت الدنيا وملكها وغَضَارتها،(٨) فاشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قطّ الموت قبل يوسف.١٩٩٤٣ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: لما جمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه فقال: ﴿رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين﴾ = قال قتادة: ولم يتمنَّ الموت أحد قطُّ، نبي ولا غيره إلا يوسف.١٩٩٤٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني غير واحد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف النبي ﷺ، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته، وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق، فقال: ﴿رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.﴾١٩٩٤٥ - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ﴿وعلمتني من تأويل الأحاديث﴾ ، قال: العِبَارة.١٩٩٤٦ - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين﴾ ، يقول: توفني على طاعتك، واغفر لي إذا توفَّيتني.١٩٩٤٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، وردَّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة: ﴿يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا﴾ ، إلى قوله: ﴿إنه هو العليم الحكيم﴾ . ثم ارعوى يوسف، وذكر أنّ ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال: ﴿رب قد قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين﴾ .
* * *وذُكِر أن بَني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم
* ذكر من قال ذلك:١٩٩٤٨ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن صالح المريّ، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، خَلا ولده نَجِيًّا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى! قال: فيغرُّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ، قالوا: يا أبانا، أتيناك في أمر لم نأتك في أمرٍ مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله! حتى حرّكوه، والأنبياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا بَني؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى! قالوا: أفلستما قد عفوتُما؟ قالا بلى! قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا! قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عمّا صنعنا، قرّت أعيننا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّةَ عَين في الدنيا لنا أبدًا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا وأمَّن يوسف،، فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنة = قال صالح المرِّي: يخيفهم. قال: حتى إذا كان رأس العشرين، نزل جبريل ﷺ على يعقوب عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتَقَد مواثيقهم من بعدك على النبوّة.(٩)١٩٩٤٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: والله لو كان قتلُ يوسف مضى لأدخلهم الله النارَ كُلَّهم، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره، ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قصَّ الله نبأهم يُعيّرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن الله قصَّ علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.
* * *وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق.
* ذكر من قال ذلك:١٩٩٥٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما حضر الموتُ يعقوبَ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق، فلما مات، نُفِخ فيه المُرّ وحمل إلى الشأم. قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب(١٠) فقال: غلبني على الدعوة، فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم أن يدفنوه. فلما احتبسوا، قال هشام بن دان بن يعقوب(١١) = وكان هشامٌ أصمَّ لبعض إخوته: ما لجدّي لا يدفن! قالوا: هذا عمك يمنعه! قال: أرونيه أين هو؟ فلما رآه، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وَجْأَةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبر واحد.
(١) انظر تفسير" التأويل" فيما سلف ص: ٢٧١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير" فاطر" فيما سلف ١٥: ٣٥٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير" الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .
(٤) انظر تفسير" التوفي" فيما سلف ١٥: ٢١٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٥) في المطبوعة والمخطوطة:" قال ابن عباس يقول"، وبين صواب ما أثبت، وانظر الخبر التالي رقم: ١٩٩٤٢.
(٦) في المخطوطة:" في بعض القرآن قد قال الأنبياء توفني"، وصوابها ما أثبت، أما المطبوعة فقد كتبت:" في بعض القرآن من الأنبياء من قال توفني"، غير مكان الكلام لغير حاجة.
(٧) لم أجد للذي قاله ابن جريج دليلا في القرآن! فلعله وهم، فإن النهي عن تمني الموت صريح في السنة.
(٨) في المطبوعة:" مغموس في نعيم الدنيا"، وفي المخطوطة:" مغموس في نعيم الدنيا" غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. وعنى بالنبت هنا: المال الكثير الوفير، والنعمة النامية، وقد جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ قال لقوم من العرب: أنتم أهل بيت أو نبت؟ فقالوا نحن أهل بيت وأهل نبت. وقالوا في تفسيره: أي نحن في الشرف نهاية، وفي النبت نهاية، أي: ينبت المال على أيدينا
وهذا الذي قلته أصح في تأويل الحديث، وفي تأويل هذا الخبر.
(٩) الأثر: ١٩٩٤٨ -" صالح المري"، هو" صالح بن بشير بن وداع المري"، منكر الحديث، قاص متروك الحديث، مضى برقم: ٩٢٣٤.
و" يزيد الرقاشي"، هو" يزيد بن أبان الرقاشي"، قاص، متروك الحديث، مضى قبل مرارًا، آخرها: ١١٤٠٨.
وهذا خبر هالك، من جراء هذين القاصين المتروكين، صالح المري، ويزيد الرقاشي.
(١٠) في المطبوعة:" عيص"، وأثبت ما في المخطوطة، وسيأتي بعد:" العيص"، بالتعريف، وهو في كتاب القوم" عيسو"، وهو ولد إسحاق الأكبر، وهو أخو يعقوب.
(١١) في المطبوعة:" هشام بن دار"، لم يحسن قراءة المخطوطة، وولد يعقوب في كتاب القوم هو" دان" كما أثبته.
و" هشام" هذا، هو في كتاب القوم" حوشيم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق