الخميس، 18 أبريل 2013

"قل إن كان آبائكم وأبنائكم..... أحب إليكم من الله ورسوله"

"قل إن كان آبائكم وأبنائكم.....  أحب إليكم من الله ورسوله"


يقول الله تعالى : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين "

كلما اقرأ هذه الآية أشعر بالخوف والرهبة من هذا الوعيد الشديد. واسأل نفسي هل حبي لله ورسوله وللجهاد في سبيل الله أكبر من حبي لهؤلاء الذين جاء ذكرهم في الآية : الآباء والأبناء والإخوان والزوجة والعشيرة ؟ أرد وأقول نعم إننى أحب الله ورسوله وأحب الجهاد أكبر ولكن هل هذا هو فعلاً واقع الأمر أم أنه مجرد إدعاء؟

هنا تكمن المشكلة ويكمن الخطر الداهم الذي ربما يكون سبباً في تحقق وعد الله فينا : فتربصوا حتى يأتي الله بأمره !

أيها الأخوة ... كيف نحب الله تعالى ورسوله ؟ يقول العلماء اعرف الله حتى تحبه . فكلما زادت معرفة العبد بربه زاد حبه له. وكلما فكر في نعم الله عليه قوي حبه لربه لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها. وإذا أردنا أن نعرف كيف يأتي حب الله في قلوبنا فلننظر كيف جاء حب الدنيا في قلوبنا. لقد تمكن حب الدنيا من قلوبنا بسبب انشغالنا بذكرها آناء الله وأطراف النهار حتى تعلقت قلوبنا بزخرفها وزينتها ومباهجها فتمكن حبها من قلوبنا.... مجالسنا تدور الأحاديث فيها حول الدنيا وطرق تحصيلها وأنواع متاعها والجديد من أخبارها وفي المقابل لانذكر الله إلا قليلاً ، كم من أوقاتنا أمضيناه مع كتاب الله وتدبر آياته وتدارس تفسيره ؟ وكم من الوقت أمضيناه في استعراض سير الأنبياء والصالحين وحياة الزهاد والعباد من الصحابة والتابعين ؟ وكم من الوقت أمضيناه في التفكر في نعيم الجنة وحياة القبر والآخرة ... قارن هذا بهذا تجد الجواب ساطعاً سطوع الشمس في رابعة النهار. فهل بعد هذا نلوم أنفسنا لماذا تتعلق بالدنيا وتزهد في الآخرة وتؤثر متاعها الزائل على حب الله ورسوله والدار الآخرة ؟ هل نلوم أنفسنا بعد ذلك لماذا لاتحب قيام الليل ولاتشتاق إلى الجهاد ولاتحب الإنفاق في سبيل الله ولا قراءة القرآن ولاولاولا ...من أعمال الخير.

إنها الدنيا .. لايتمع حبها مع حب الآخرة في قلب واحد لذا حذرنا منها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا ، من ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلاتنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تتنظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك . رواه البخاري وقال عيسى بن مريم عليه السلام: الدنيا قنطرة فاعبروها ولاتعمروها. وفي الترمذي عن سهل بن سعد الساعدي قال: كنت مع الركب الذين وقفوا على السخلة الميته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها قالوا: ومن هوانها ألقوها يارسول الله. قال فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.

نأسى على الدنيا وما من معشر .............. جمعـتهم الدنيـا فلم يتفـرقوا

أين الأكاسـرة الجبابـرة الألى .............. كنزوا الكنوز فما بقين ولابقوا

من كل من ضاق الفضاء بجيشه .............. حتى ثوى فحـواه لحد ضيق

فالموت آت والنفـوس نفـائس ............... والمستغر بما لديه الأحمـق

اللهم اجعلنا من حزبك المفلحين وعبادك الصالحين الذين أهلتهم لخدمتك وجعلتهم ممن قبلت أعمالهم وأصلحت نياتهم وأحسنت آجالهم يارب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وإلى اللقاء في ظلال آية أخرى من كتاب الله.

"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا"

قال الله تعالى: "قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"
يقول العلماء هذه أرجأ آية في كتاب الله ! كيف لا ؟ وهي قد أشرعت أبواب الأمل في وجوه البائسين وضمنت خط العودة للتائهين. لاإله إلا الله ، ماأرحم الله بعباده وماأحنه عليهم ,وماأوسع رحمته، جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم" لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده بخطامها ، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح". وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟) قلنا: لا والله. فقال: ( الله أرحم بعباده من هذه بولدها) متفق عليه.
أيها الأخوة إنا ربنا رحيم غفور ودود لايريد أن يعذبنا، خلق من أجلنا الجنة وزينها ووعدنا فيها بحياة طيبة وإقامة دائمة في نعيم وحبور ولكننا نحن الظالمون لأنفسنا نحن المفرطون في جناب الله، الأمر لايحتاج منا سوى إلى توبة صادقة وندم على الذنوب وعودة إلى الله فيبدل الله السيئات إلى حسنات ويعفو عن الخطايا والزلات ولكننا غافلون مسوفون مؤملون، يقول صلى الله عليه وسلم : الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك . كل هذه المغريات وكل هذه التسهيلات إلا أننا نسوف ونؤجل ونؤمل في الحياة وكأننا مخلدون وكأن الموت بعيد عنا. التحرر من الذنوب في الدنيا سهل ميسور ولكنه بعد الموت عسير. باستغفار وتوبة إلى الله يغفر الله لك آلاف السيئات ولكن بعد الممات لو أنفقت مافي الأرض جميعا من أجل أن تمحى عنك سيئة لم تمح. عبدالله ماحجتك إذا جئت يوم القيامة ووزنت أعمالك فرجحت كفة سيئاتك، من يحاججك عنك أمام الله ؟ ماذا سيكون عذرك ؟ كيف يكون ندمك؟ كيف تتصور وقتها أنك فرطت في كل هذه الفرص ورحلت محملا بالذنوب ؟ اسأل نفسك هذا السؤال؟ وتفكر في موقفك يوم الحساب واعلم أنه لايحول بينك وبين الآخرة سوى ان يقال فلان مات. وماأسهل أن يقال، فكم من صحيح خرج من داره في الصباح ولم يعد لها في المساء. وكم من معافى نام على فراشه ولم يصحو من منامه. وكم وكم والقصص والعبر تقرع آذاننا كل يوم فهل من معتبر وهل من متعظ ؟! والله إنه الله لايهلك على الله إلا هالك. ووالله أنه لاحجة لمذنب أمام الله. فالتوبة التوبة أخي في الله قبل فوات الأوان واليقظة اليقظة من الغفلة ! كن على أهبة الإستعداد للسفر الطويل وأرهف سمعك لسماع نداء الإقلاع لرحلتك التي قد يعلن عنها في أي لحظة. الأمر يسير مادمت في زمن التيسير، ولكنه بعد الموت عسير عسير . تذكر إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. فلا تظلم نفسك ولاتحرمها من عفو الله. ونختم بفائدة حول شروط التوبة كما قررها العلماء وهي أربع : أولها أن يقلع عن المعصية والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم ألا يعود إليها أبداً والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها إن كانت تتعلق بحق آدمي كمال أو عرض ونحوهما. اللهم إنا نسألك التوبة من كل ذنب والعفو عند الحساب والمغفرة من كل إثم ونسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار ياعزيز ياغفار.
وإلى اللقاء بإذن الله مع وقفة قادمة في ظلال آية أخرى من كتاب الله
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



    
الصفحة الرئيسية



    
الصفحة الرئيسية   

ليست هناك تعليقات: